نحمدُ الله بدْءاً أن مجتمعنا السعودي لا يعاني من سَقَم التفكّكِ الأسري على نحو يصعد به إلى سقف (الظاهرة)، كما في مجتمعات أخرى. أقول هذا رغم يقيني أن لكل مجتمع أوجاعَه وحسناتِه وسلبياتِه، ظاهرةً وباطنةً، ومجتمعنا ليس استثناءً من ذلك. ورغم هذا أزعم أن منظومتَنا الأسرية تبدو أشدَّ تماسكاً وأقوى لُحْمةً وأكثرَ استمراراً، مقارنةً بمجتمعاتٍ أخرى أكثرَ كثافةً وأشد تعقيداً.
يتحدث البعضُ، مثلاً، عن تزايد حالاتِ (الطلاق) بين بعض الشرائح الشابة في مجتمعنا، وتلك قضيةٌ أخرى لا مجَال لبحثها في هذه العُجالة، غير أن تلك سمة لا تنفردُ بها بلادنا الغالية عن المجتمعات الأخرى. فالزَّواج ومثله الطلاق، أمران لا محيدَ عنهما، لكن كلما كان قطبا الأسرة (الزوج والزوجة) متفاهميْن في كثير من شئون عيشهما المشترك، تضَاءلتْ فرصُ ارتطام عشِّهما الزوجي بصخرة (الطلاق)، والعكس صحيح سوى مَنْ رحم ربي!
وفي سياق موازٍ لما ذكر، لا اعتقد أن هناك نَمطَاً مثالياً خالصاً من التفاهم بين أيّ زوجين، فذاك أمرٌ يكاد يدنُو من المستحيل سوى في مخيّلة الشعراء، لكن التفاهمَ في كثير من المواقفِ يظَلُّ أمراً نسبياً قد يزدادُ في حالٍ ويضْعفُ في آخر، غير أن اختلافَ المفاهيم والميول والأذواق بين الزوجين لا يعْني بالضرورة أنه سيوردُهما مشارفَ الفراق أو الافتراق، وهما قادران، بما أوتيا من نضج التجربة وحصافة الرأي، وبعض القواسم المشتركة بينهما التي يظللها الود والرحمة قادران على (تحييد) آثار الفروق بينهما، بل إن في التباين في بعض الطباع والميول والأذواق إيجابياتٍ تخدم العش الزوجي ولا تهدمه، وتشد أطرافه، وتثري نسيج التعامل بين أفراده.
هذا من حيث المبدأ، لكن، هناك مواقفُ زوجيّةٌ معيّنةٌ.. قد يغيبُ عنها التفاهمُ الإيجابّيُ والاندماج العاطفي.. لكن تبقى هناك (مظلة) من المصلحة المشتركة “تشد” كلاّ منهما إلى الآخر ممثلة في الآتي:
1- الذرّية في حّد ذاتها مصلحة مشتركة لطرفيْ المعادلة الزوجية: تربيةً ورعايةً وحفظاً، بل إنها في بعض الحالات كفيلةٌ (بصيانة) الرباط الزوجي رغم غياب التفاهم حول أمور أخرى، أمَّا إذا كان التفاهمُ متعذّراً حول كيفيّة تربية وتنمية الذرية، فإن ذلك قد يُؤذنُ بشقاق بين الزوجين.. لا وئامٌ فيه ولا إصْلاح!
صحيحٌ إنّ مثل هذا الزواج القائم على رعاية “مصلحة الذرية” دون إيّ اعتبارات أخرى يجعلُ الحياة الزوجية أشْبه ما تكون بـ(عقد عمل) صارم لا (علاقة انْصَهار وجدانيّ) حُبَّاً وعشرة.. كما يقول الرومانسيون،
إلاّ أن استمرارَه يَبْقىَ ضرورةً.. كيْلاَ تتعرضَ حياةُ الأطفال للبوار.. ويَدْفعُوا ثمنَ الانفصال.. وهو ثمنٌ باهظ في أغلب الحالات!
2- وقد يقومُ الزواجُ على مصلحة من طرفٍ واحدٍ، كيف؟
قد ترى الزوجة في قرينها البديل الذي لا بديل له، سوى الضياع في تيار الأهل.. وجَحيم الألسُن التي لا ترحم.. لو غادرتْ بيتَ الزوجية، مُطلَّقةً إلى (بيت طاعة) الأهل!
أو أن تكونَ الزوجةُ (مقطوعةً من شجرة) فلا رافدَ لها ولا عائل -بعد الله- سوى الزوج.. فتقبل البقاء معه مكرهةً الإرادة لا بَطَلة!
3- أو أن يُضْطر الزوجُ إلى الحفَاظِ على عشِّ الزوجية ذرّاً للرماد في عين شامتٍ أو حاقدٍ أو ناقدٍ من أهله أو أهلها، وسداً لذريعة الشقاق العائلي، خاصةً إذا كانت للزوجة جذورٌ عائليةٌ تربطها بعائلة الزوج، أو كان هو ذا صلةِ قُرْبىَ بأحد والديْها، هنا، يفضّل الزوجُ (برودَ) (الحياة الزوجية.. بلا تفاهم) على جحيم الشَّقاء ومنظومة الـ(قيل والقال) لو اختار الانفصَالَ عنها!
ذرات من الكلام
الزوجة الحنون أمُّ لم تلدْكَ، وأختٌ لم تلدْها أمُّك، ورفيقةُ دربٍ لا تُضِلُّ ولا تُملّ!
الحماةُ مظلومةٌ في معظم أصقاع الأرض، بسَبب حبِّها لابنتها أو ابنها، لكنّني أقفُ (في صفّها) مسَاندِاً إذا فعلتْ ذلك بلا غُلَوّ يهضِمُ حقَّ أيِّ من الطرفين!
الزواج قاربٌ يقودُه الزَّوجان، فإذا أسْرف ذوُو القُربَى في التدخّل بينهما.. غَرِق!
أحياناً، اغبط نفسي لأنني لم (أولد) في هذا العصر المصَابِ برُهَابِ القلق، واضطراب الهوية، وازدواجية الذات!