«عليك النصف وعلى الصندوق العقاري النصف» أو «تمول من بنك واحصل على 1.5 مليون ريال دعم حكومي» أو «عليك إيجار المنزل وعلى حكومتك الرشيدة تمليكك إياه» أو «عليك ثلث الإيجار ودع هيئة الإسكان تدفع الثلثين» أو «لأننا نحبك وتحبنا فسنحمل عنك نصف تكلفة التمويل».
تخيل أن هذه إعلانات من هيئة الإسكان للمواطنين الراغبين في دعم حكومي من أجل امتلاك منزل. أو من الجهات العسكرية لأبنائها حماة الوطن من العسكريين، أو من الوزارات لموظفيها، أو من الشركات الكبرى المحترمة الراغبة في ضمان ولاء موظفيها والاستمرار في العمل لديها. فهل هذا ممكن؟ أقول نعم ثم نعم ثم نعم، وليس بمئات المليارات، بل دون المليار الواحد، (بحساب تقليل تكلفة التشغيل الحكومية بإشراك القطاع الخاص بهذه النماذج). نعم هو ممكن، بل وبأقل تكلفة من القرض العقاري الذي يقدمه الصندوق العقاري للتنمية، وأقل تكلفة من بناء المنازل وتوزيعها. بل إن الأمر لا يقف عند هذا الحد. بل إن مثل هذه البرامج التمويلية وبرامج الضمانات وبرامج الحوافز يمكن الإبداع فيها لخلق المئات منها التي لها معامل تضاعفي كبير (أي آثار جانبية إيجابية واسعة). فهي تحقق توفير السكن وتشغيل النشاط النقدي والمالي والاقتصادي وتخلق وظائف وتنشر الوعي التمويلي وإحياء مفاهيم التمويلات الاستثمارية وقطع الخدع البنكية وتخفيض الفوائد في مسلسل لا ينتهي من النهضة الفكرية والاقتصادية والثقافية لمجتمعنا الذي تجمد فكره باعتماده على الدولة (التخطيط المركزي). فاكتشاف الناس مثل هذه الأمور وتعلمها يفتح آفاقاً واسعة لتجديد كثير من المفاهيم الخاطئة وتُطلق الفكر بشكل عام من قوقعته التي تقوقع فيها.
واليوم، وبهذه الوفرة المالية وهذا الأمن السياسي وسط هذه الفتن، هو اليوم المناسب والملائم لمثل هذه القفزات التطويرية الفكرية والمالية والاقتصادية. نحن لن نتحرك قُدماً في النمو الاقتصادي وما يتبعه من نمو ثقافي واجتماعي إن لم ننشر الثقافة الاقتصادية والتمويلية الحقيقية في المجتمع. وسيظل المجتمع يحارب كل جديد وكل وزير أو مسؤول صاحب فكر مبدع وذلك لاتساع الفجوة الفكرية والإبداعية بين المُلقي والمتلقي. وسيواصل المجتمع المطالبة بالاعتماد على الدولة حتى تنفد مدخراتنا، وستحبط مشروعاتنا التنموية باستهلاكها باستمرار الروح الاتكالية والجهل المركب والمنطق المعكوس وجحود وإنكار الحقائق ورواج الإشاعات.
وقد كتبت من قبل وطرحت أمثلة لمثل هذه التمويلات والضمانات سواء في الصحف أو في تقارير خاصة، لكن لإكمال مقال اليوم فسآتي ببعض أمثلة عاجلة مختصرة: فمثلا على سعر الفائدة اليوم (أو سمها ما شئت مرابحة أو إجارة) فالقرض العقاري 500 ألف المسدد على 30 عاما قيمته اليوم 171 ألفا، أي أن كل نموذج دعم تمويلي يكلف الدولة 329 ألفا يعني أنه مواز لتكلفة القرض العقاري. (حتى لو أردنا أن نحسب بسعر فوائد السندات الأمريكية فتكون تكلفة القرض العقاري اليوم على الدولة حوالي 250 ألفا).
وسأورد أمثلة على أساس أن أسعار الفوائد (الإجارة اليوم) على ثلاثين عاماً تدور حول 9%.
فمثلا «عليك إيجار المنزل وعلى حكومتك الرشيدة تمليكك إياه» فمنزل بمليون ريال يكلف دعم الدولة لتمليكه المواطن مجاناً 68 ألف ريال. وأما بذل 171 ألف ريال من الحكومة (بدلاً من 329 ألف) فتحقق نماذج مثل «اختر المنزل الذي تحب وندفع عنك 4023 ريالا شهريا» أو «تحالف مع قرض بنكي واحصل على ما قيمته 1448320 ريالا». ويمكن كذلك بهذه النماذج تخفيض الفائدة. فلو ارتفعت الفائدة إلى 12% لأصبحت الحكومة تتحمل 5143 ريالاً شهرياً دون أن يزيد مقدار مساهمتها. أو يمكن النموذج الآتي «نحن نحمل عنك ثلثي الفائدة فبقى 4.63%». وهكذا مئات النماذج التي يمكن أن يشاركها أو ينفصل عنها الضمانات وشراء الديون من الجهات الحكومية والخاصة لموظفيها. وقد كتبت سابقا في ذلك صحفيا وتقريريا. وأقول: لن تنجح مشروعات الإنفاق الحكومي استراتيجيا طالما أنها معتمدة على التخطيط المركزي الذي يحصر الفكر في الوزارة والشركة الأجنبية بينما المجتمع يجتر معلومات وثقافة خاطئة وهو من جهل إلى جهل أشد.
إن المسكوت عنه في أطروحات التطور عندنا هو أن تصحيح الثقافة وإحياء الفكر والتطوير لا يقوم على بناء مشروعات جامدة تكلف مئات المليارات ثم تبدأ في التهالك. لا بد أن يشارك المجتمع في هذه المشروعات بأمور تخصه هو شخصيا (كبناء منزله أو كفوزه بعقد بناء منزل أو تمويله أو حصوله على ضمان إفلاس أو شراء دينه وأثر هذا في تكلفة تمويله). هذه المشاركة الذاتية ستحقق له تلقي الصدمات الفكرية التي تكشف له عن حقيقة عالم اليوم وتوفر له مدرسة واقعية من أجل التعلم وكسب الخبرة وانفتاح الأفق ونشر روح الإبداعية، التي تنتشر في شتى مجالات الحياة. ولا يوجد وسيلة ميسرة وسريعة تحقق هذا مثل استخدام وسيلة حل مشكلة الإسكان عن طريق الدعم بالتمويلات الفردية والضمانات الحكومية أو المؤسساتية بنماذج كثيرة تحرك التنافسية وتشغل العقول في فهم العالم الرقمي الجديد. فالأرقام في النماذج الرياضية هي لعبة التكنولوجيا كما أنها لعبة الاقتصاد والتمويل.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem