إن من أعظم نعم الله على عباده التي لا تُعد ولا تُحصى، هي نعمة الإسلام، فأنزل معجزته سبحانه كتابه العظيم القرآن الكريم فيه آيات محكمات، فيه الهدى للناس والفلاح والصلاح والتوفيق، وما عزت أمة وعلا شأنها إلا بامتثالها لهذا الكتاب كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقال جل شأنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (سورة الإسراء 9).
إن كتاب الله عز وجل هو أصل الشريعة ومرجع العلم ومصدر التشريع، وهدى أمتنا التي بلغت به حضارتها العظيمة مبلغاً لم يبلغه سواها، أنزله الحكيم الحميد نوراً وهدى للناس، يقول صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي..» أخرجه مسلم. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين» أخرجه مسلم. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» أخرجه البخاري.
وحيث إنه المعجزة الخالدة، والحجة الدائمة إلى قيام الساعة، فقد تكفل الله بحفظه ودوامه كما أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، تلقته الأمة جيلاً بعد جيل، وأولته جل عنايتها وبذلت في سبيله غاية وسعها، تلاوةً وحفظاً، وتدبراً، وتحكيماً وعملاً، فهو دستورها ونبراسها، وهاديها «إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي»، هو حبل الله المتين ونوره المبين وصراطه المستقيم من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى كل خير {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
وإن شرف هذه البلاد المباركة ومن نعم الله عليها أن أكرمها بولاة أمر يمتثلون كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم منهجاً وتشريعاً في كل نواحي الحياة، والمملكة العربية السعودية - انطلاقاً من رسالتها السامية ومكانتها الدينية المتميزة - بصفتها مهبط الوحي ومنطلق الرسالة المحمدية ومهوى أفئدة المسلمين - قد أولت كتاب الله عز وجل فائق العناية والرعاية، فهو دستورها الخالد ومصدر تشريعها، ونبراسها في شؤون الحكم والحياة، وقد عنيت بطباعته وترجمة معانيه ونشره في أرجاء المعمورة، وأنشأت لذلك صرحًا شامخًا يتمثل في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، كما حرصت هذه البلاد حماها الله بتعليم الناس والأجيال كتاب ربهم، بدءاً بدعمها لمدارس تحفيظ القرآن الكريم وجمعياتها، وانتهاءً بالأقسام الأكاديمية والكليات المتخصصة في الجامعات والمعاهد العليا، باذلة أوجه التشجيع المتنوعة لحملته وحفظته، وداعمة الجهات المعنية به دعما سخيًا.
ومن أفضل ما يتنافس فيه المتنافسون، وتُبذل فيه الجهود، وتُصرف فيه الأوقات، وتُنفق فيه الأموال هو كتاب الله تعالى، فهو تجارة رابحة، وذخر عظيم الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن تلاه تضاعف أجره وعظم شأنه، لذا فإن حفظه وتلاوته والعمل به من أهم الواجبات على كل مسلم، لاسيما وأننا في أمس الحاجة إلى التمسك به في زمن نَشُطَ فيه أهل الشر والزيغ والضلال، فالبشرية الحائرة في هذا الزمان المتخبطة في براثن المشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية ما كان ليحدث لها ذلك لو اهتدت إلى كتاب الله الكريم وأخذت بمبادئه وقيمه وأخلاقه.
وما مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القران الكريم وتجويده وتفسيره التي نشهد دورتها الثالثة والثلاثين والتي تقام تحت رعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، إلا نموذج مهم ونبراس دولي مضيء وصورة عظيمة من صور العناية الدائمة والمتواصلة من هذه البلاد وولاة أمرها بكتاب الله الكريم، ولا أفضل وأجل من الأعمال مثل العناية بكتاب الله عز وجل وجعله ميداناً للتسابق والمنافسة.
لقد قامت هذه البلاد وفقها الله منذ تأسيسها على منهج القرآن الكريم وجعلته مصدر حكمها واحتكامها وتشريعها، وتجسيداً لدورها الرائد في تمسكها بكتاب الله وخدمته فإنها بذلت الجهود العظيمة والكبيرة والمباركة برعايتها الدائمة في كل أنحاء العالم بأهل القران الكريم أهل الأخلاق السامية والمكانة العالية، بجانب حرصها وتنظيمها للعديد من المسابقات القرآنية حيث يجتمع الشباب المسلم للتنافس في تجارة لن تبور مع الله سبحانه تتمثل في حفظ القرآن الكريم فيكرَّم الفائزون، لتأتي هذه المسابقة الدولية على مستوى العالم امتداداً لعناية المملكة بالقرآن الكريم فكان لهذه الجائزة أبلغ الأثر في تشجيع وتحفيز الناشئة والشباب من أبناء الأمة الإسلامية للمنافسة على حفظ كتاب الله وتلاوته وتفسيره وتجويده.
إن ذلك الاهتمام الجم والعظيم بالقران الكريم والتشجيع على حفظه والتمسك به ما هو إلا امتداد لعطاء ولاة الأمر في هذه البلاد وفقها الله منذ تأسيسها على يد بانيها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه وأبنائه الكرام من بعده حتى عهد الخير والنماء الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حيث اعتنوا بالقرآن الكريم عنايةً عظيمةً، ورعايةً كريمةً.
نسأل الله الكريم أن يوفق القائمين على هذه المسابقة وأن يجزيهم خير الجزاء، وأن يديم على هذه البلاد نعمة إتباع كتابه الكريم وسنته نبيه صلى الله عليه وسلم.
* رئيس مجلس الشورى