تأليف د. عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)
العلم والتعلم والتبصر والبصيرة أمور حث عليها الإسلام وجعلها من أهم المهمات، وأولى الحيثيات، ونصب للعلم منزلة ورتبة تعلو على منزلة العبادة ومرتبتها، فالعابد يعمل لنفسه، والعالم تحفه الملائكة بأجنحتها وتسبح الطير والحيتان له، وذلك لأنه يهدي بعلمه أقواماً ضالة، ويفتح به قلوباً غفلاً، وأثره وتأثيره ما يزال باقياً له، ومعروفاً عنه، وإن كان حياً أو ميتاً، والعالم الحق صاحب الرسالة الصحيحة ما يزال محط أنظار الناظرين، فبه يقتدون وعليه يعتمدون وله يسمعون وينفذون، ومن أعطى العلم أقبل سعده، ورفل حظه، وسمى قدره، حتى ولو كان فقيراً مدقعاً، أو قبيحاً منفراً، أو أعجمي النسب، حقير الأصل، فبالعلم ترتقي حاله، وتسود منزلته، ويرتفع عماد بيته، ومن نال العلم والحكمة، نال حظ الدنيا، وكتب له نعيم الآخرة إن أراد بهذا العلم وجه الله وسبل الخير ونفع لأناس، وزكاة العلم نشره، وفتح أسراره ومغاليقه وتدفق أنهاره وزيادة خيراته بحصر النية في رب العباد وحده، لا يشاركه في هذه النية شريك، ولا يقاسمه فيها ند ولا مثيل، بل هي خالصة صافية لله وحده، ومن خلال النية الخالصة لوجهه تعالى يتباين علم العلماء، ونتنافس عقول العقلاء، وما كان لله فهو يبقى، وما كان لغيره فهو يذهب، والنية الصادقة البيضاء هي السر الذي يكمن وراءه تفجر الحكمة وتدفق البيان، وجميع أنواع العلوم يؤجر عليها متعلمها إن كانت النية لله ولرسوله، ومن هذا المنطلق ندرك تألق كتب عديدة أراد بها مؤلفوها نصرة الله وتأييد نبيه، أما سأل سائل نفسه عن صحيح الإمام البخاري عليه رحمة الله تعالى لم بقي عبر هذه السنين، ولِم يُعد مصدر المسلمين في معرفتهم لحديث نبيهم صلى الله عليه وسلم ولنهلهم من ينبوعه الثر المتدفق؟ هذه النية الطاهرة التي لم تشبها الشوائب، ولم تدنسها ترهات الأماني، وخزعبلات الأحلام الدنيوية من شهرة وسمعة وذياع صيت هي التي كتبت للبخاري مؤكفاً ومؤلفاً البقاء والاستمرار رغم هذه الأعوام المديدة، والأزمان التليدة، ومن قرأ ترجمة ابن حجر العسقلاني له في شرحه للصحيح الذي عرف (بهداية الساري) أدرك مدى القدرات العقلية، والطاقات الذهنية، التي حباها الله تعالى لإمام أهل الحديث وعالم ومحدث مكة وبغداد وبخارى، هي قدرات تفوق قدرات الناس العاديين، بل لا تتصورها قدرات التصور البشرية، ومن فقه البخاري وقوة تفكيره أن وجه طاقاته الذهنية لخدمة سنة المصطفى صلى الله عليهسلم فتفجرت ينابيع عقله، وفاضت بالعلم والحكمة نفسه، وتاريخ المسلمين مملوء بأمثال هذا الرجل الذي أدرك ما حباه به الله من عقل وإدراك ونبوغ فكرم حمل الحديث وإيقافه على أبواب السلاطين، وقال لرسول سلطان بلده حينما دعاه إلى تعليم ابنه وتسميعه الحديث النبوي الشريف الذي بلغ فيه البخاري الذروة، (قل للأمير إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين) فكانت هذه القولة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وضيق على إمام الحديث فصبر حتى أكمل رسالته الدنيوية التي كشفت عن نواياه ومخبوء أحاسيسه، فدعا ربه أن يقبضه بعد أن ضاقت به الأرض، وحنت نفسه الحرون الأبية لباريها وخالقها، وهذه الصورة تتكرر كثيراً على أفذاذ الرجال، وعلى نواياهم، فيأتي الطالب ولا نية له في علمه إلا الحظوة والوجاهة، فتنفتح أمام عينيه مغاليق العلوم، وأسرار المعارف، فيعود ليجدد النية الخالصة لله تعالى، ومن هنا يأبى العلم أن يكون إلا لله.
ونية البخاري عليه رحمة الله وهدفه جمع كتاب مختصر صحيح يتضمن ما ثبت أن قاله النبي صلى الله عليه وسلم، يرجع إليه الناس حينما يتوقون ويهوون سماع ما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، هذه النية كانت سحابة تظلل هذه الفكرة، وحارساً أميناً لها من كيد الكاذبين، وحقد المبغضين، ومن يأتي ربه ذراعاً يأتيه سبحانه وتعالى هرولة.
وهذه الصورة السابقة شاهد على أن الله تعالى يبعث للناس حينما يختلطون ويتخالفون وينشط إبليس وأعوانه في بث الشرور، ودحض الخيرات، علماء أجلاء يتنسمون زمام الدين ولا يهدفون إلا إلى نشره وبثه وخدمته حسب قدراتهم وكم من عالم فذ غير تاريخ العصر الذي يعيش فيه، فجعله الناس عالمهم وقائدهم وهاديهم إلى طرق الخير وسبل الرشاد.
ولا ينسى تاريخ الدولة العباسية موقف الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله، حين تصدى لتلك الدعوى المشؤومة، والظاهرة الممقوتة في القول بخلق القرآن، وعذب وسجن وأهين وخارت همم علماء عصره، فنصوا على إيمانهم بأن القرآن مخلوق، وتراجعوا عن معتقدهم الصحيح حينما شعروا بحرارة السياط، وحدة السيوف، إلا أن الإمام أحمد إمام أهل السنة ظل ثابتاً على اعتقاده الصحيح أن القرآن كلام الله غير مخلوق، حتى نصره الله نصراً مؤزراً، فكان لتلك الفترة الزمنية التي قضاها بين شؤم السجون ونياط العذاب، مجدداً دينيا وعالماً سنياً، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} والشدائد محك الضمائر، ومجلى المعادن، ومظهر النوايا وخبايا النفوس، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، فوحده سبحانه العالم بقدرات وطاقات عباده وكان ميسر لما خلق له، وقد ذلل تعالى وعورة ما أصاب شيوخ الأمة، فيسر تقديرهم وقدر توقيرهم، وكتب لهم من خيرات ونعم الدنيا والآخرة فحبى سبحانه العلماء النابهين تلك الهدايا الرمزية المادية الشهيرة، التي يكافأ بها العالم عقب إنجاز باهر، وإبداع ظاهر، وكم حركت هذه الهدايا المادية قرائح النابغين من علماء وأدباء ومفكرين وشعراء ترنموا بأجمل القصائد، وغرر الفضائل فعدها تاريخ الشعر من كنوزه وذخائره، وما كل هذا الارتقاء الشعري إلا نتيجة مبلغ مادي حرك قرائح الشعراء، فهزجت بما يسرح ويمرح في عقلها الباطن، وفي أحاسيسها ومشاعرها اللا شعورية، فشاعر الشاعر بهذه المعاني ليهز النفوس، ولعل السعي إلى المنصب والحرص على السيادة والثراء من أقوى السبل التشجيعية للشعراء وغيرهم بما حفظه لنا التاريخ من خالد أشعارهم، وهنا لا بد من التوجه إلى مسلك آخر، لنستمتع بكنوزه، ونحظى بذخائره، هذا التوجه ينتقل بنا من أعلام فذة قديمة كتب لها الزهو والخلود لتاريخ عاشته فكان حافلاً بالبطولات والمفاخرات والمنازعات، إلى تاريخ حديث شيق كان لبه الإشارة إلى كتاب الدكتور والمفكر والمصلح عبدالعزيز ابن عبدالله الخويطر الذي رسم من عنوانه خطة سيره، فأسماه (لمحة من تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية) والذي يضم بين ظلاله أوراقاً من القطع المتوسط تربو على الثلاثين بعد المائة، والكتاب من مطبوعات (سفير) وبين يدي الطبعة الأولى مؤرخة بالتاريخ القريب التالي (1424هـ - 2003م)، وهذا الكتاب قد يصفه الواصفون بملا يحفظ له حقه من الإطراء والثناء وصادق القول، فما الكتاب إلا لمحة سريعة عن تاريخ الدولة السعودية الخالد، ووثقت هذه اللمحة بتواريخ دقيقة جداً لتؤكد أنه تاريخ للحركة التعليمية السعودية التي كانت هاجس هذا الرجل المربي، والمصلح المتأني، فقيدها بدقة، وحفظها بقوة وحرص، لأن هذه التواريخ ملت نفسها وهي حبيسة ردحاً زمنياً طويلاً، ولشعور مبدعها بما تكنه ضمائرها من معان طوال، وبصبره على شكواها، وحنينها إلى الضوء والظهور واللمعان، بعد معاناتها من حلم قائلها وطول نفسه وصبره الذي يعجز الحجر والصخر والوعر، وحينما ارتأت فراسة مؤلف الكتاب طبع هذه الحروف التاريخية، لأن مقالها قد حان بعد مقامها، ولا حديثها قد جذب نحو حادثها، فقوت رغبة المؤلف في الكشف عن غبارها، والإفصاح عن مكنونها، فاقتربت ساعة المخاض، ولات حين مناص، ولفظت المطبعة السفيرية بكتاب خطير على صغره وقلة صفحاته يعد أصلاً من أصول تاريخ المملكة المجيد، ووثيقة رسمية من رجل عاصر التعليم فعصره وامتص لبه وشهده ورحيقه، وقاومته المعرفة فغلبها وألان عريكها وأذعنت له زمناً طويلاً، فقادها بخطامها وزمامها في ردح من الدهر يقرب من عشرين عاماً تجلت في هذه الأحوال والسنين شخصية (الخويطر) بكل ما فيها من كنوز وذخائر، طال مقامه في هذه الحقبة مما يوحي بسمات شخصيته الرائدة التي عاصرت الحركة التعليمية السعودية، ودعمت المراحل المعرفية، وهذا الكتاب على صغره يشكل دوراً هاماً وإطارا متكاملاً، ومن خلاله يتتبع الباحث بغيته ومراده، ولا يدرك قيمة هذا الكتيب إلا من كابد مشقة التعليم وعناء البحث في تحديد معالم وأصول الحركة العلمية في بلادنا الصاعدة، هذا كتاب لا يعرف قيمته إلا من تعطش إلى حقائق علمية تاريخية موثقة، يستطيع من خلالها بناء الفكرة، وتشييد المعنى، وإشاعة الخطب الصحيح، والعلم الفصيح، وجميل الكتاب يقع في وقفات عدة، منها حرص المؤلف على عنونة كتابه بما يناسب محتواه، ويساير هدفه وقصده، حيث قال في عنوان الكتيب (لمحة من تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية) فجاء (بمن) والتي يعدها النحاة تبعيضية تدل على بعض الشيء لا جله وكله، وينم هذا العنوان الدقيقة عن فكر مبدعه ومبتكره، لأنه يبوح لقراءة من خلال تأمله وتحليله بما يوجد بين بردتيه، هذا الكتاب الصغير تلمح من كلماته وسطوره وعباراته شمائل وفضائل هذا المفكر الفريد، من وضع التواريخ بدقة وحرص وأمان، وهذاالرجل النادر في وقتنا هذا قل من يتتبع أثره، ويقتفي خطره، ويغرف بدلوه من بحره، وكما قال العالم الأول حينما رأى انكباب الطلبة المتعلمين على صبي صغير من ولده، فقال قولته المشهورة: (أزهد الناس في العالم أهله) فصارت هذه الكلمات مثلاً وحكمة شروداً، و(الخويطر) يملك زمام الأمر في الكتاب، فيجعله شاهداً على مشاركته في حركة التعليم ولا سيما المرأة فهو يعطيها حقها من القول، ويشجع خطوها في سبيل العلم، ويشاركها فرحها في بعض المناسبات، بل يكتب لها كلمات حانية، وألفاظاً متأنقة، ليبني الهمم في النفوس، والإدارات في العقول، وما أروع مشاركة أديب أريب، وعالم حصيف، للمرأة السعودية النابهة في خطب من خطبها، وجليل من علمها، والخويطر على جلالة وفداحة أمره ممن يفون بالثناء الكريم لكل من طالت يده بالخير والنفع العميم، فأفاد واستفاد، وعلم فتعلم، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، جاء مربينا الصادق ليذكر فضل الدولة السعودية في تعليمه، وفي تعلم غيره من شباب تنسم حب العلم منذ نعومة أظفاره، فما كان من قادتها الأول، بدءاً باهتمام المؤسس الحقيقي لهذه البلاد جلالة المغفور له إن شاء الله جل جلاله الملك عبدالعزيز طيب الله أثره وثراه، ووقفاً على وزير المعارف الأوحد الأبلج جلالة المليك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله تعالى، الذي ذلل وعر الطريق وجعله سهلاً لكل من هفت نفسه للتنوير بنور العلم، وتفرّس فيه أمارات الذكاء، ومخايل النجابة، وسمات الوفاء لهذه الدولة الفتية الصاعدة، وفراسة الملك الخارقة، شملت لفيفاً من الشباب، سابق الزمن، ليعود بعلم جم ينشره بين أفراد مجتمعه، وفراسة الملك الثاقبة لم تخطئ موطنها ومكمنها الحقيقي، وأقرب مثال ندلل به على هذا التفرس، رسالة الدكتور (الخويطر) في جل حياته، والتي تنقل من خلالها بين مناصب عدة، تتبارى في تبوأ المقام الأول من مقامات هذا الرجل الذي عاد بنا إلى الوراء البعيد ليحيي عهداً قد مضى، عهد السمؤ آل بن عادياء، الذي جعله التاريخ للوفاء مثالاً، ولحفظ العهد تمثالاً، والمتأمل في سيرة (الخويطر) الذاتية والتي ألحقت بخاتمة آخر المطاف يرى بعينيه المبصرتين تاريخ هذا الرجل والذي يعد من رجالات الدولة السعودية الأوفياء الذين عرفهم التاريخ، فنشر عبق عطرهم، ثم ضمهم بحنان بين جنبيه وخاصرتيه، ليملأ بالنظر في سيرهم شفاف قلبه وحدقة ناظريه، ومراتب (الخويطر) الوظيفية متباينة متباعدة، وما تقله بين رياضها وحدائقها الغناء إلا شاهداً على نجاح هذا الرجل الندرة الفريد الذي سخر طاقاته وقدراته في خدمة هذه البلاد الذاكية المعطاء، واستمراره في حقل التعليم ما يقرب من عشرين عاماً برهان وحجة على تبريزه في مهنة عسيرة وعرة، قال عنها علماء وخبراء التربية الأفذاذ: (أصعب المهن في العالم ثلاث، التعليم والتربية والسياسة) وعليك أيها القارئ الكريم إعادة النظر وتقليب البصر، في هذه الفترة الزمنية الممتدة إلى ما يقرب من ربع قرن، وبدقة (الخويطر) رعى الله خاطره باليمن والفضل والبركة نقول: أقل من الربع بقليل. وأسلوب الكتابة تتخلله أدبيات تطرب القلب، وتفرح العقل، وتنشط الروح، ساقها ليحكي لنا موقفاً من المواقف الكادحة في حياته الجادة، الذي عود الفضل فيها إلى والده الذي رأى بعين الشيخ وعدسته النافذة أن المستقبل لهذا الابن في تعليمه، فأغدق عليه من حنانه، وسد منافذ وفجوات يأتي بها هذا الابن من هنا وهناك ليقنعه بها على ضرورة ترك العلم والعودة إلى الوطن، إلا أن الأمر قد أحكم زمامه من قبل هذا الوالد الحنون، الذي كان يدفعه إلى إكمال تعليمه بكل ما أعطي من خطب وخطاب، سخرهما في فرض رقابته على الابن الصغير، وثم من بعد هذا الشاب اليافع، الذي استمكن منه الوجد، واستفرد به الشوق، إلى وطن ثر العطاء، ذلل لسيره ومسيرته العلمية والمعرفية كل صعب ووعر يعترض طريقه، فيضعف رسالته الشماء في خدمة وتعليم أفراد مجتمعه، هذا الوطن طالما كان يحفر الصخر، ويستسهل العويص في تقديم جل الخدمات مقابل شهادة علمية تثبت للشعوب المتألقة تفشي حركة التعليم بين مجتمع يعيش عيشة البدوي البسيطة التي تدفئ جوف أبنائها بأطناب الخيمة, وصوف البعير، ولتفهم المجتمعات الناهضة أن تلك الخيمة، وذاك البعير، لم يأتيا في يوم من الأيام عقبة في سبيل المعرفة والرقي والوعي والاستبسال والتألق.
أدرك هذا الابن الذي حصل على شهادات علمية موثقة نظرة الشيخ الثاقبة في إصراره على تكميل مشواره العلمي، فدعا له بالعمر المديد، والفضل العديد، ومن هنا وقت الحصول على شهادته ورتبته العلمية، أيقن أن مشواره الحقيقي في الحياة قد بدأ، ورسالته الوطنية هبت لتزيل آثار التراب عن حروفها المنحوتة في الصخر، ولتطالب هذا الشاب المنطلق المبتهج بمحاسن الحياة، أن يحقق مبادئها، ويوثق أصولها الثلاثة العظمى: (علم نفيس، وعالم نزيه، ومتعلم يقظ نبيه).
ولعلي أستوقف القارئ قليلاً لأباغته بالسؤال التالي: ما الشيء الذي كنت تتوقعه ثم تعمد إلى تحديده كمستقبل آخر للدكتور (الخويطر) لو أن الله تعالى لم ييسر له وقفة وتصميم هذا الشيخ الذي باتت قدراته المتباينة بينة، قوة في العقل، وتميز في التصور، وضعف وتهالك في الجسد الذي بات سقيماً يؤذيه النسيم، ويمرضه الهواء العليل، في ليل متطاول كليل؟
وكم أتمنى من القراء الأكارم المشاركة في طرح فرضيات، وتبني حلول، لهذا السؤال المصيري والذي تبدو منه فراسة القراء في وزير أديب وقائد فكر سديد، يطل على محبيه ومتذوقي أدبه في بداية الشهر بإطلالة تراثية، تعكس لك الرؤية الصحيحة لفكر هذا الفذ الأريب، وما هذه الإطلالة الذهبية إلا شاهداً على أصالته التاريخية العريقة فمن نسي ماضيه، أهمل وسهي عن حاضره، وغفل عن مستقبله وآتيه.
وفي الختام أود لفت نظر القارئ إلى معلومة من معلومات الكتاب، لم أر مثلها، إلا نزراً يسيراً في مصنف من المصنفات قديماً كان أو حديثاً وهي الاعتراف بقدرات التلميذ الذي تفوق قدرات معلمه، وهذه الجرأة في سياق حقائق الأمور، ما هي إلا سمة بارزة من سمات المتحدث بها، وهي الثقة بالنفس، والصدق في القول، والسلامة في الضمائر، والوضوح في التوجه، يقول المؤلف بكل حواسه وخلجاته: (من أبرز طلبتي ممن افتخر بهم وأقر أنهم سبقوني في المجال الذي تخصصوا فيه الأستاذ الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين) وبهذه الكلمات الشجاعة يلمح إلى باب لم يطرقه العلماء بعد وهو: (تفوق المتعلم على معلمه، والقارئ على مقرئه) على أن يحفظ التاريخ للخويطر حق السبق والتفرد في هذا المقام.
عنوان التواصل: (ص.ب 54753 الرياض 11524) فاكس 2177739