العاقل البصير هو الذي يتفقد نفسه فيكملها بمحاسن الأخلاق وفضائل الأعمال، ويُطهرها مِن دنس الذنوب ومثالب العيوب ويُزينها بطاعة الله ويزكيها بالعلم النافع والعمل الصالح ْْْ{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} .
والإنسان في حياته عُرضة للنقص والعيب فإذا وقف على إصلاح نفسه وانشغل بها عن تتبع عيوب الآخرين من حوله دل ذلك على رجاحة عقله، وسلامة صدره، وسداد رأيه، ورغبته في الخير لنفسه ولغيره، أما إذا أهمل نفسه وترك عيوبها تتراكم عليه وانشغل بتتبع عيوب الآخرين وسقطاتهم وترك المناصحة فسيعش في عزلة - وإن كان بين الناس - وانقطاع عمن حوله وهَمَّ يخالج نفسه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوب نفسك».
) والملاحظ على بعض الناس أنهم ينشغلون بذكر عيوب غيرهم بل يتفكهون بها في مجالسهم، وكأنهم لا عيب فيهم وهذا مِن فضول الكلام فضلًا عما يجره من الذنوب والآثام {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (النساء: 66).
وأما علاج هذه الظاهرة التي ابتلي بها كثير من الناس فلا تكون إلا بالتوبة النصوح من هذا العمل ومجاهدة النفس على إصلاح عيوبها وقد ذكر أحمد بن قدامة المقدسي في كتابه «مختصر منهاج القاصدين» بعض الطرق المعينة على إصلاح عيوب النفس وهذا ملخصها:
الأولى: أن يجلس الإنسان بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس يعرفه عيوب نفسه وطرق علاجها فمن حصل له ذلك فقد وقع بالطبيب الحاذق الذي يدله على ما ينفعه.
الثانية: أن يجالس صديقًا صدوقًا بصيرًا متدينًا لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله وتصرفاته، وأن يكون هذا الصديق محبًّا مخلصًا في تعامله، وقد كان السلف يحبون من ينبههم على عيوبهم، ونحن الآن في الغالب أبغض الناس إلينا من يُعرفنا بعيوبنا، ثم قال: وهذا دليل ضعف الإيمان فإن الأخلاق السيئة كالعقارب، ولو أن منبهًا نبهنا على أن تحت ثوب أحدنا عقربًا لتقلدنا له مِنَّة، واشتغلنا بقتلها، والأخلاق الرديئة أعظم ضررًا من العقرب مما لا يخفى.
الثالثة: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من السنة أعدائه فإن عين السخط تبدي المساويا، وربما انتفع الإنسان بتصرفات عدو مشاجر يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفي عنه عيوبه.
الرابعة: أن يخالط الناس ويصبر على أذاهم فكل ما يراه مذمومًا يجتنبه ويحذر من الوقوع فيه.
وعيوب النفس إما أن تكون في الألفاظ القولية أو التصرفات الفعلية، فإصلاح هذه المعايب يكون بالمتابعة لها والمجاهدة فيها، والتأمل في مآلاتها وطلب سلامتها على الدوام ما استطاع الإنسان.
والله ولي التوفيق.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية