قرأت ما كتب في العدد 14256 بعنوان: (الأمير فيصل بن مشعل يرأس اجتماعاً لتشجيع الزراعة العضوية والنظيفة بالقصيم)؛ وقد شدتني مبادرة سموه وهي تثبت بلا شك وطنية سموه واختياره للمبادرات القيمة والرائعة في هذه المنطقة الخضراء التي يتابع نهضتها معاضداً لسمو أمير المنطقة الأمير فيصل بن بندر التي تزداد حقولها إخضراراً ونخيلها شموخها ورمالها وكثبانها تألقاً ولمعاناً مع كل إنجاز وكل مشروع وكل مبادرة.
«الزراعة العضوية» تمثل أحد الخيارات والوسائل الهامة للوصول إلى أفضل أنواع الإنتاج الزراعي من ناحية الجودة والصحة والقيمة الغذائية لا من ناحية الكم، ومع الأسف الشديد فإن الزراعة بالأسمدة الكيماوية أصبحت وسيلة لكسب المال فقط دون النظر إلى صحة الإنسان نظراً للكميات الكبيرة التي تنتج من خلال استخدام الأسمدة الكيماوية.. أصبح هؤلاء الجشعون من تجار المحاصيل الزراعية خصوصاً الخضار بدون هذه الأسمدة الكيميائية التي ستدخل في تركيب هذه المحاصيل وبكميات كبيرة من هذا المحصول ندفع ثمنه صحتنا، يجب القيام منذ الآن بخطوات جادة نحو تشجيع الزراعة العضوية تشجيعاً جاداً وذلك من خلال عدد من الخطوات التي يجب أن تبادر لها وزارة الزراعة.. وبالفعل هناك عدد من التجارب الناجحة لعدد من الشركات في الزراعة العضوية كشركة الوطنية.. ويجب تشجيع مثل هذا التوجه عند الشركات الزراعية الصغيرة وعند الأفراد.. إن «الزراعة العضوية» تعتمد على سماد المواشي.. واستخدامه هو إكمال لدورة التغذية الطبيعية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى بين النباتات والحيوانات.. أما استخدام الأسمدة الكيميائية الصناعية فإنه يكسر هذه الدورة والحلقة.
وهذه الدورة التي تنتج من تغذية النباتات والحيوانات ستنتج غذاء نباتياً ولحوماً يتغذى عليها الإنسان.. كمان أنها ستنتج لنا دورة اقتصادية أخرى تدعم الاقتصاد الوطن كما يلي:
1- إنتاج للمادة العضوية بزيادة تربية الحيوانات والمواشي.
2- إنتاج محاصيل غذائية طبيعية يقبل عليها المستهلكون لجودتها.
3- ينتج عن هذا زيادة مطردة بين تربية الحيوانات والمواشي مما ينتج عن زيادة في إنتاج اللحوم الطبيعية اللذيذة.
4- ينتج عن هذا وجود فرص عمل في تجارة المواشي وتجارة المحاصيل الزراعية.
5- مما سبق ينتج لنا دعم للاقتصاد الوطن وزيادة في الأمن الغذائي.
6- إيجاد فرص استثمارية وعملية لأبناء الوطن. فمن الممكن في حال نجاح الزراعة العضوية زيادة الناتج المحلي الزراعي في مجالي الزراعة وتربية المواشي.. وبالتالي فإن الزراعة العضوية لا تدعم فقط الإنتاج الزراعي وإنما تدعم أيضاً تربية المواشي وبالتالي فنحن مثل من يصطاد عصفورين (بحجر واحد) فتكون دعمنا الإنتاج الزراعي المحلي وكذلك إنتاج اللحوم.
وتكون قد أكملنا الدورة الطبيعية التي كسرتها الأسمدة الكيميائية الضارة بالصحة من كل النواحي، فالإنسان يتغذى على المحاصيل الزراعية الناتجة من تغذيته بالأسمدة الكيمائية وكذلك يتغذى على اللحوم الناتجة من مواشي تتغذى على هذه المحاصيل.. إن الأسمدة العضوية تذهب هباءً وهدراً مما يشكل مورداً اقتصادياً غير مستغل، بل إنها ربما تكون أقل كثيراً في التكاليف من الأسمدة الكيميائية التي تحتاج إلى عمليات معقدة وإلى مصانع وعلى عمليات التسويق، أما الأسمدة العضوية.. فربما تكون في نفس موقع الزراعة.. ولا تحتاج إلى أيّ تصنيع أو نقل أو تسويق.. ومن الراجح أنها أقل تكلفة بكثير من الأسمدة الكيميائية.. فلماذا هذا التجاهل لهذه الأسمدة.. سؤال يجب أن تجيب عليه وزارة الزراعة بعد أن فتحت المجال لكل ما هب ودب من هذه الأسمدة إلى لا يعلم مصدرها أو مكوناتها. بل وبأسعار كبيرة تعتبر استنزافاً للاقتصاد الوطني.
إن هناك عدداً من الرؤى التي يجب الوقوف عندها كما يلي:
1- يجب تشجيع الزراعة العضوية حتى تتغلب على الزراعة الكيماوية أو تكون مساوية لها في التكلفة.. فمما لا شك فيه أن الزراعة الكيماوية تنتج كميات أصناف أكثر ما تنتجه الزراعة العضوية.. ومن هنا فإنه من الصعوبة محاربة الزراعة الكيماوية.. ومن الصعب إغلاق مصانع الأسمدة الكيميائية، فهي عملية تجارية بحتة. والزراعة بالأسمدة الكيميائية كلها عملية تجارية، أي ربح أكبر قدر ممكن من المكاسب والأموال بأقل التكاليف وبغض النظر عن جودة الإنتاج ومناسبة للاستهلاك الآدمي. وتشجيع الزراعة العضوية لا تأتي بإغلاق مصانع الأسمدة الكيميائية.. وإنما على الأقل تشجيع الزراعة العضوية تشجيعاً كبيراً وذلك عن طريق:
أ- إيجاد دعم للأسمدة العضوية كأن يكون هناك دعم رمزي مثل 10 ريالات لكل رد من الأسمدة العضوية أو 5 ريالات لكل م3 أو طن من الأسمدة العضوية التي يلاحظ نقلها إلى المزرعة مع معرفة الهدف من نقلها ونوعية المحصول التي يتغذى عليها، إن مثل هذا الدعم سيوازن تكاليف الأسمدة العضوية مع الأسمدة الكيميائية ويجعل الإقبال عليها كبيراً من قبل المزارعين.. مع العلم أن كثيراً من المزارعين يستطيع أن يسد حاجته من الأسمدة العضوية ويتركها تضيع هباء لعدم وجود حافز لاستخدامها ولعدم قناعته، نظراً لأن الكل يبيع منه أكثر كمية من الإنتاج الزراعي ويربح أموالاً طائلة لاستخدامه أسمدة كيميائية فليس لديه أي حافز تشجيعي لاستخدام هذه الأسمدة في الزراعة.. ولهذا أقترح أن تقوم وزارة الزراعة بدراسة تشجيع هذه الزراعة بالأسمدة العضوية بالتعاون مع صندوق التنمية الزراعية، ويقوم بعدها الصندوق بتقديم هذا الدعم كما يقدم الدعم لزراعة النخيل والمعدات الزراعية وبدون وجود مثل هذه الحوافز التشجيعية، فسيظل إنتاج الأسمدة الكيميائية والزراعة اللاعضوية هي السائدة في السوق.
ب- أن يكون هناك تسهيلات لتسويق المنتجات الزراعية العضوية وخصوصاً في أسواق الخضار (حلقة الخضار) والتي هي غالباً مملوكة للبلديات، ويتم تأجير المحلات فيها على الباعة وأن يتم منح المحلات مجاناً وبدون أجرة من قبل البلديات وذلك لبيع المنتجات الزراعية العضوية وقد يقول البعض ومن يثبت أن هذه المنتجات أو تلك هي منتجات عضوية فنقول يجب أن يكون في كل سوق خضار هناك جهاز فحص لهذه المنتجات، فهناك منتجات بنيت كلياً من الأسمدة الكيميائية وفي المبيدات الكيميائية.. فحين الفحص المبدئي وثبوت خلو هذه المنتجات من الأسمدة الكيميائية يسمح أو لا يسمح لهذه المزارع ببيع منتجاته في هذا المحل.
أو أن يتم تحديد مظلة مستقلة لبيع المنتجات العضوية بتعارف عليها المزارعين وكل مزارع يعرف تماماً المزرعة التي تنتج منتجات عضوية كما أنه من الممكن إصدار شهادة من قبل وزارة الزراعة لكل مزرعة تنتج منتجات ومحاصيل عضوية عن طريق زيارتها دورياً وفحص منتجاتها ومثل هذا الفحص من قبل البلديات هو شيء ضروري وذلك ليس فقط لتشجيع الزراعة إنما لفحص المنتجات الزراعية التي تتجاوز بها التغذية الكيميائية الحد المسموح به أو استخدام مفرط للمبيدات الحشرية في المحاصيل الزراعية.
ج- أن يتم السماح لمن ينتج منتجات زراعية بالأسمدة العضوية بالبيع في الأماكن العامة وبدون اشتراط محل خاص له. وذلك لأن إنتاج المحاصيل العضوية هو نصف كمية إنتاج الزراعة اللاعضوية أو أقل كما أن عدم استخدام المبيدات العضوية يؤدي ربما إلى خسارة المحصول كله وبالتالي تكبد المزارع خسائر فادحة ثمناً ليقظة ضميره وعدم غشه للمستهلك، وبالتالي يجب على أقل تقدير مكافأة هؤلاء على يقظة ضمائرهم على أقل تقدير، بل ويجب إيجاد عقوبات صارمة جداً لمن يثبت بيعهم للمحاصيل الزراعية في فترة التحريم واعتبارهم مثل القتلة.
د- أن يتم القيام بحملة دعائية للزراعة العضوية من خلال وسائل الإعلام ومن خلال فروع وزارة الزراعة لتقديم ندوات ومعارض متخصصة للمنتجات العضوية والدعاية لها مجاناً من خلال الصحف ووسائل الإعلام ودعم الإعلانات عنها تسويقها. والإعلان المجاني المدعوم من وزارة الزراعة عن المنتجات العضوية بأسمائها وتحديدها بصراحة في الصحف اليومية ووسائل الإعلام وذلك حتى تتغلب على السيل الهادر من المنتجات اللاعضوية وقدرة منتجيها على الدعم والدعاية لها.
2- لماذا لا تقوم وزارة الزراعة بدعم إنشاء شركات زراعية تقوم بإنتاج المحاصيل العضوية وخصوصاً التي يتغذى عليها الإنسان يومياً وبشكل مباشر كالخضار والبقوليات (الطماطم، البطاطس، البصل، الخيار، الكوسة، الباذنجان)، فقيام مثل هذه الشركة الزراعية بكل منطقة من مناطق المملكة عن طريق تغذية هذه المحاصيل بأسمدة عضوية عن طريق تربية كم هائل وكبير من المواشي (الأغنام، الجمال) واستخدام أسمدتها العضوية لتغذية هذه المحاصيل، سيكون لدينا مؤشرات كبرى تنتج المحاصيل الغذائية وكذلك اللحوم التي نقوم باستيرادها.. وقد يقول البعض إن استنزاف المياه الجوفية خطر على الأجيال القادمة، فأقول لدينا صحاري بكر تموج تحتها بحار من المياه كالربع الخالي الذي يمكن إنشاء مدن زراعية كاملة فيه وفي قلب الصحراء لإنتاج منتجات عضوية وتربية المواشي خلاله.
3- أرى أن تقوم وزارة الزراعة ولعل معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبدالرحمن الغنيم هو خير رجل مشرف على هذه الوزارة من حيث غزارة معلوماته وعمق تفكيره وعرف بإخلاصه بالعمل يتضح ذلك من خلال زياراته المتكررة لمناطق المملكة ومزارعها ولقاءاته مع المزارعين ويلتمس همومهم.. وبإطلاقه للمشروعات الناجحة أن تقوم هذه الوزارة بدعم الجمعيات التعاونية الزراعية ومنحها المعدات الزراعية بأقساط ميسرة وتزويدها بالبذور المناسبة وأن تقوم هذه الجمعيات بتشجيع الزراعة العضوية عن طريق تزويد المزارعين في كل مدينة بالأسمدة والمبيدات العضوية أو نقلها لهم مجاناً عن طريق أسطول من الشاحنات تنقل الأسمدة العضوية للمزارعين مجاناً. أو بأسعار رمزية على أقل تقدير وذلك حتى ينم التغلب على الصفة اللاربحية للمحاصيل العضوية مقابل المحاصيل العضوية ومبادرة سمو نائب أمير منطقة القصيم خطوة رائعة على هذا الطريق.
م. عبدالعزيز السحيباني