لقد وفق الله هذه البلاد الغالية والعزيزة على قلوبنا بهذه الأسرة الكريمة (أسرة آل سعود)، من عهد المؤسس الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- إلى عهد الموحد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه البررة وهم حريصون كل الحرص على أمن واستقرار هذه البلاد والالتقاء مع أفراد شعبهم صغيرهم وكبيرهم.
يقول الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-: إن التباعد بين الراعي والرعية يدع مجالا للنفعيين فيجعلون الحق باطلا ويصورون الباطل حقا.
ويقول الملك عبدالعزيز مخاطبا القيادات: إننا في أشد الحاجة إلى الاجتماع والاتصال بكم لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، وأود أن يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته وتحملوا إلى شعبنا أعمالنا ونوايانا، إني أود أن يكون الاتصال بالشعب وثيقا دائما، لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب، لذلك سيكون مجلسي مفتوحا لحضور من يريد الحضور، وأنا أود أن أجتمع بكم دائما لأكون على اتصال تام بمطالب شعبنا، وهذه غايتي من وراء هذا الاتصال.
وفي أواخر أيامه عندما أذنت شمس العظمة بالمغيب اتخذ إجراء يكفل مبدأ مخاطبة السلطات لم تصل إليه اعرق الدول في إعلان هذا المبدأ وهو جعل هذه المخاطبة على نفقة الدولة، فقد أصدر منشورا علق في أماكن التجمع يقول: من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود إلى شعب الجزيرة العربية على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلما وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا وعلى كل موظف في البريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي أو أحفادي أو أهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه مهما تكن قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفف من لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب الشديد لم يكن المنشور للدعاية فقد أشفعه أو سبقه بمنشور إداري للمشرفين على البريد يقول كل شكاية ترفع لنا عن طريق البرق أو البريد من أي شخص كان يجب أن ترسل لنا بنصها ولا يجوز تأخيرها ولا إخبار المشتكى منه سواء أكان أميرا أو وزيرا أو أدنى من ذلك أو أكبر.
وقد أوصى ولي عهده الملك سعود عند تسمية ولي للعهد فقال: عليك أن تجد وتجتهد في النظر في شون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سرا وعلانية والعدل في المحب والمبغض وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطنا وظاهرا وينبغي ألا تأخذك في الله لومة لائم، عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامة وفي أمر أسرتك خاصة، اجعل كبيرهم والدا ومتوسطهم أخا وصغيرهم ولدا وهن نفسك لرضاهم وامسح زلتهم وأقل عثرتهم وانصح لهم واقض لوازمهم بقدر إمكانك فإذا فهمت وصية هذه ولازمت الصدق والإخلاص في العمل فابشر بالخير.
أوصيك بعلماء المسلمين خيراً احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصيحتي وأحرص على تعلم العلم لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة احفظ الله يحفظك، ولا أظن أنه نقل عن ملك قول في احترام العلم وتهيب العلماء مثل قول الملك عبدالعزيز أنه كلما رأى الشيخ عبدلله بن عبداللطيف آل الشيخ تصبب العرق من إبطي من هيبة العلم واحترام العالم.
وأحيا عبدالعزيز تقليد قديماً في بلاط آل سعود وهو حلقة الدرس التي تقام بحضور الإمام (الملك) وهي عادة قديمة في التاريخ العربي، وقد سمع الزركلي في مجلس عبدالعزيز هذا ثلاثة كتب من التراث ليس بين ملوك ورؤساء العرب اليوم ثلاثة يستطيعون الزعم بأنهم سمعوا بها فضلاً عن قراءتها كما كان يفعل عبدالعزيز وهذه الكتب هي تفسير القرطبي البداية والنهاية لابن كثير الآداب الشرعية لابن مفلح.
لقد كانت السياسة التي اتبعها عبدالعزيز هي وحدها القادرة على خلق المواطنة السعودية، وقد نجح في ذلك نجاحاً مثالياً لم تستطعه ثورات بعده حتى وإن قيل: إن الثورة النفطية أذابت التحولات وخلقت مصلحة وطنية عامة فإن ابن سعود كان واعياً بأهمية الانفتاح الوطني كان يدعو الله أن يعز الإسلام بمن يعجب بهم من خصومه الذين يقاتلونه ولم يتردد في استخدام اي (عائد) من الذين حاربوه حتى قيل: إنه مامن شخص عادى ابن سعود وبقي حياً إلا سخره الله يوما لطاعة آل سعود وبعضهم يعتبرها كرامة ولكنها أيضا ثمرة سياسية ووعيه بأنها ظاهرة جديدة وعميقة تحتاج لوقت حتى تفهم ويؤمن بها وان المُثل والسلوك والإقناع هي الطريقة لكسب المعارضين لا الترويع والقتل والخطف.
يقول الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لقد مضى يوم القول ووصلنا إلى يوم البدء في العمل فأوصيكم ونفسي بتقوى الله واتباع مرضاته والحث على طاعته فإنه من تمسك بالله كفاه ومن عاداه (والعياذ بالله) باء بالخيبة والخسران.
إن لكم علينا حقوقا ولنا عليكم حقوقا فمن حقوقكم علينا النصح لكم في الباطن والظاهر واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم، إلا بحق الشريعة وحقنا عليكم المناصحة، والمسلم مرآة أخيه فمن رأى منكم منكرا في أمر دينه أو دنياه فليناصحنا فيه فإن كان في الدين فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في أمر الدنيا فالعدل مبذول إن شاء الله للجميع على السواء، إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون - لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة وإني أحذر الجميع من (نزغات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار، فإني لا أراعي في هذا الباب صغيرا ولا كبيرا وليحذر كل إنسان أن تكُون العبرة فيه لغيره).
كلما سُئل الملك عبد العزيز عن دستور بلاده أجاب دستورنا القرآن وهو يعني تقيده هو ومملكته بأحكام الشرع الإسلامي المستمد من معاني القرآن ومالم يكن فيه فمن حديث رسوله وعمله،ومالم يكن فيهما فمن قضاء أصحابه وسيرتهم، ومالم يكن فمن نهج أهل العدل والعقل والسيرة الحسنة من سلف الأمة، ومالم يكن ففي النظم ماقد يقوم مقام الشريعة.
لقد سار أبناء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- على أثر والدهم وفتحوا قلوبهم لشعبهم قبل مجالسهم فهذا خادم الحرمين الشريفين يستقبل العلماء والمشايخ كل أسبوع، كما أنه خصص يوما من كل أسبوع ليستقبل المواطنين لسماع شكاويهم ومظالمهم، وهذا سيدي أمير منطقة الرياض الأمير/ سلمان بن عبدالعزيز يستقبل مئات المواطنين كل يوم في قصر الحكم لسماع مطالبهم ومظالمهم ورفع الظلم عن المظلوم منهم، وهذا العمل يقوم به سموه الكريم منذ أكثر من خمسة وخمسين عاما، كما خصص سموه الكريم كل يوم اثنين من الأسبوع لاستقبال العلماء الأفاضل والمشايخ والمواطنين في قصر سموه الكريم.
المصدر: كتاب السعوديون والحل الإسلامي - العمارية