|
متابعة/ تركي إبراهيم الماضي - عبدالله هزاع العتيبي :
ملامح التنمية الاقتصادية
وضعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض سياسات وخططاً وبرامج مستقبلية يكون من شأنها إحداث تطور منهجي للهيكل الاقتصادي للمدينة، وبالطبع لا يمكن تحديد الوضع المكاني لتوقعات التوظيف والمتطلبات من الأراضي إلا بصورة عامة، كما أن محاولة فرض تفاصيل مخطط دقيق لفترة تزيد على 20 سنة من الآن لكل نشاط اقتصادي رئيسي لن يكون معقولاً أو ذا معنى إلا أن ما يوضحه المخطط الهيكلي هو التطور المحتمل المستقبلي لاستعمالات الأراضي من النوع والمقياس المتوقع بوجه عام لكل جزء من أجزاء المدينة.
على ذلك فإنه سيكون من الضروري تطوير المخطط الهيكلي بمرور الزمن عن طريق المخطط العام لتقسيم المناطق مع المراجعة والمراقبة المستمرة للزيادة الفعلية في عدد الوظائف وتوزيعها على القطاعات، والطلب اللاحق على الأراضي وذلك لضمان وجود ملاءمة كافية مع النمو والتغير الاقتصادي الفعلي. إن قطاعات المدينة والأراضي التي سيتم تخصيصها بالمدينة للأنشطة المرتبطة بالتوظيف، هي فقط المناطق الرئيسية نظراً لعدم إيضاح التفصيلات المحلية.
المناطق الصناعية
تم اتخاذ التدابير اللازمة لإقامة الصناعات التقليدية والصناعات الخفيفة ومرافق التخزين والتوزيع مع تخصيص الأراضي في جميع قطاعات المدينة لتعزيز التوزيع المتساوي للوظائف، وتقع تلك الأماكن على شبكة الطرق الرئيسية لتحقيق الوصول الفعال كما تم تخصيص مساحات كافية من الأراضي لتلبية الاحتياجات المستقبلية المتوقعة وسيتم تخطيط تلك المناطق لضمان عملها بطريقة فعالة مع توفير مناطق عازلة ملائمة إذا لزم الأمر وذلك للفصل بين استعمالات الأراضي غير المتجانسة. كما تم توفير مساحة من الأرض لإقامة منطقة صناعات عالية التقنية بمطار الملك خالد الدولي وذلك لكي توجد منطقة اقتصادية جديدة مصممة لاجتذاب الاستثمارات في الصناعات التصديرية الجديدة وصناعات إحلال الواردات. وقد اقترح إقامة منطقة تجارة حرة مماثلة لمنطقة التجارة الحرة في جبل على بمدينة دبي وذلك لإدخال فكرة التملك من قبل الأجانب. إن مثل هذا الإجراء سيؤدي إلى استغلال مورد رئيسي لم يستغل من قبل ألا وهو مطار الملك خالد الدولي، مما يعني إيجاد بعد اقتصادي جديد وتحقيق اقتصاد أكثر توازناً.
أنشطة ومراكز
تم تحديد فرصتين لإقامة مناطق للأنشطة التجارية «ميجا مول» عند المداخل في شرق وغرب المدينة والهدف منها استيعاب المشروعات التي تسعى إلى مواقع ذات أهمية كبيرة ووضعها مع الأنشطة المكملة لها فوق قطعة أرض مناسبة وفسيحة.
فمن خلال هذه المراكز يمكن توفير فرص اقتصادية تتمثل في تقديم خدمات لسكان المدينة.. يتم التخطيط لجعل المنطقة المركزية للأعمال التجارية مكاناً فعالاً تتم فيه الأنشطة التجارية والاستثمارية إذ إن منطقة الوسط التجاري بأي مدينة كبيرة تمثل بؤرة النشاط التجاري والاقتصادي وتوفر قناة للتفاعل الاقتصادي مع العالم الخارجي. كما تم تصميم المراكز الحضرية لتكون مراكز للأنشطة التجارية في الاقتصاديات الإقليمية الفرعية للمدينة وسوف تستوعب هذه المراكز الأنشطة التي لا تحتاج إلى وجودها بمنطقة مركز الأعمال التجارية. وستعمل هذه المراكز كنقاط توزيع للأنشطة الاقتصادية للمدينة، مما يعني توزع الطلب على النقل وتخفيف الازدحام بمنطقة الوسط التجاري. كما ستعمل على إيجاد نوع من التوازن في توزيع الفرص الوظيفية مما له أثره البالغ في إضفاء صفة الاقتصادية على جميع أرجاء المدينة.
صوره للمحاور من المخطط الهيكلي
تم تحديد مجموعة من المحاور التي تربط المراكز الفرعية الحضرية ومنطقة مركز الأعمال التجارية والخدمات العامة بالمدينة. كما تعزز الاختيار والمنافسة المتأصلة في الهيكلية التجارية للمدينة والتي تعتمد على مبدأ السوق وهذه المحاور هي عبارة عن تمركز لأنشطة تجارية متماثلة حول بعضها البعض بحيث تخدم هدفاً معيناً، وتقدم نوعاً متكاملاً من الخدمات والسلع وهنالك محاور رئيسية عامة يمكن أن توجد نوعاً من التمركز الاقتصادي.
أهمية المطار
يشكل مطار الملك خالد الدولي بوابة المدينة إلى العالم ولهذا تم الإقرار بأهميته الاقتصادية للمملكة ويجب العمل على استغلاله بكفاءة كمورد اقتصادي لمدينة الرياض وجعله نقطة استقطاب ومنطقة جغرافية اقتصادية جديدة للمدينة، كما أن ربطه بخط سكة حديد المؤدي إلى الساحل الشرقي والذي من المقترح ربطه بالساحل الغربي يجعل من المطار مركز نقل إقليمي للمنطقة وسيعزز الميزة التنافسية للمدينة، وسيكون أكثر أهمية من الناحية التجارية بمرور الوقت مع تطور اقتصاد السوق، وسيكون هذا مصحوباً بزيادة في الطلب على الشحن في حاويات والتي تلائم نقل سكة الحديد.
السياحة والترفيه
تم تحديد قطع أراض كبيرة المساحة لاستقطاب الزوار «السياحة» تأخذ في الاعتبار أسواق المدينة والمملكة، وربما أسواق السياحة العالمية أيضاً كما تم تخصيص مساحات كبيرة من الأراضي للاستعمالات الترفيهية الفاعلة خصوصاً في الأجزاء الشمالية الشرقية والغربية والجنوبية الغربية من المدينة بالإضافة إلى المقومات البيئية الرئيسية مثل الكثبان الرملية ووادي حنيفة والجبال الجنوبية. ويستند المخطط الهيكلي على التدرج الهرمي للخدمات داخل مناطق المدينة الحالية والحديثة التطوير وستكون منطقة وسط المدينة المركز المهيمن للخدمات عالية المستوى. ويقترح المخطط الهيكلي تدرجاً هرمياً من 5 مستويات لمواقع الخدمات، وستصبح منطقة الوسط التجاري المركز المهيمن بالنسبة للتجارة والبيع بالتجزئة والأنشطة الثقافية والترفيهية بالنسبة لمدينة الرياض. وسوف تتداخل هذه المنطقة جزئياً مع منطقة وسط المدينة، وفي هذه الحالة ستعطى الأولوية لتخطيط منطقة وسط المدينة.
كما توفر مراكز المدن الفرعية تجارة للبيع بالتجزئة عالية المستوى واستعمالات تجارية وترفيهية وثقافية مع ما يتبع ذلك من الخدمات العامة، وسيخدم كل مركز من هذه المراكز حجماً سكانياً يصل إلى نحو مليون نسمة. ومن الممكن أن تصبح وظيفة تلك المراكز البيع بالتجزئة وقد تصل مساحتها إلى 150 ألف متر مربع ويمكن إقامة المستشفيات العامة الرئيسية بمراكز الحواضر والمدن الفرعية وكذلك الحال بالنسبة للجامعات الكبرى.
مراكز الأحياء
ستكون المراكز الإقليمية الفرعية مراكز المناطق مدعومة بعدد من مراكز الأحياء الأصغر وتخدم بشكل رئيس وظائف البيع بالتجزئة. وستوفر تلك المراكز الفرصة لوضع الخدمات العامة الخاصة بالأحياء في مكان مشترك مثل المدارس الثانوية وخدمات الطوارئ والإسعاف. ولجعل هذه المراكز تخدم بشكل عملي فسوف يتم وضعها بحيث يسهل الوصول إليها من الطرق الشريانية الرئيسة ومحاور النقل العام المقترحة وسيخدم كل مركز حجماً سكانياً يتراوح بين 200 و300 ألف نسمة ويعطي مساحة تتراوح بين 30 و50 هكتاراً، وستوفر مراكز الأحياء الاحتياجات المحلية على مستوى الحارة السكنية وقد تتمثل في مراكز أصغر يتم وضعها في قلب الحارة السكنية مع المسجد والمدرسة الابتدائية أو يمكن أن تكون بمثابة شوارع تسوق محلية تمتد داخل الحارات وهو ما سيتحدد على أساس المخططات الهيكلية المحلية. تعتبر مواقع المراكز التجارية الداخلية الجديدة بالمدينة ذات أهمية بالغة ويمكن توقع اقتراح إقامة تلك المشروعات في المستقبل القريب بحيث تتبع الاتجاه السائد بشكل واضح على نطاق العام ويشمل ذلك اتجاه إقامة مراكز تجارية كبيرة أي محلات بيع بالتجزئة تتجاوز مساحتها أحيانا «150.000» متر مربع من مساحات الأدوار وتوفر بيئة مكيفة بالكامل مع وجود مواقف كبيرة للسيارات.
وتبرز في هذه المراكز بصورة ثابتة مخازن البيع بالتجزئة والمؤسسات المتماثلة كالبنوك والفنادق كما سيكون هنالك تركيز ثابت على الناحية الترفيهية في الخدمات المقدمة. إن المواقع المفضلة لهذه المباني ستكون في منطقة الأعمال التجارية والمراكز الفرعية الحضرية، حيث يمكن أن تكون في وسط المناطق التي تخدمها وينطبق نفس المبدأ على المراكز الأصغر وهذه يجب أن تكون مواقعها في محاور النشاط التجاري أو في مجمعات ذات نشاط تجاري على مستوى المناطق.. أما السياسة الموصى باتباعها بالنسبة لتحديد مواقع المراكز التجارية المحلية الكبيرة فهي أراض تجارية مساحتها أكبر من 60.000: منطقة الأعمال التجارية أو المراكز الفرعية الحضرية، أراض تجارية مساحتها لا تقل عن 25.000م2: محاور الأنشطة التجارية، أراضى تجارية أخرى: مراكز المناطق الشريطية.
اقتصاديات تقنية المعلومات
تشير الأبحاث التي أجرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض فريق العمل بالمخطط الإستراتيجي إلى أن ترجمة الفرضيات الواردة بالمخطط إلى واقع يحدد شكل المدينة في المستقبل، أمر بالغ الصعوبة نظراً لما سينطوي عليه من مخاطر في هذا المجال. ولذا استلزم عند مراجعة الإستراتيجية مراعاة التغيّرات التي قد تؤثّر على التنمية في المستقبل، كما تم تحديد المجالات الرئيسية التي يجب معرفتها. ومن بين تلك المجالات اقتصاديات تقنية المعلومات، حيث تعد قضية حرجة لما تنطوي عليه من استبدال الأساليب التقليدية في التعامل بأساليب تعتمد على الاتصال غير المباشر وهذا بدوره يشكّل عنصراً وسبباً للاستغناء عن بعض الأيدي العاملة، كما يشكل عبئاً آخر من حيث ما يتطلبه من رفع كفاءة ومستوى العاملين أو تأهيل بعضهم.
ومن بين الأمور التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار حقيقة أن معظم استخدامات التقنية جعلت العديد من المهام الروتينية المعتادة تتم آلياً كما قضت على الحاجة إلى الاتصال المباشر «مثلاً الصرف الإلكتروني» وهناك استخدامات أخرى، حيث اتجهت التقنية لزيادة الإنتاجية بدون الحاجة إلى الإحلال محل الحركة الجسدية للناس أو البضائع «مثلاً مناولة الشحن بالمطارات» وكذلك أصبح التسوق الإلكتروني أمراً رائجاً كما أن تقديم خدمة التعليم عبر الإنترنت أصبحت سوقاً رائجاً.
وحيث إن التوسع في استخدام التقنية سيؤثّر سلباً على الشكل المستقبلي للمدينة وذلك في غياب التدخل للحد من هذه التقنية فلربما ظهر نتيجة التوسع في استخدام التقنية، الاستغناء عن القوى العاملة مما يكون له أثر بالغ في ظهور بطالة من نوع معين.
إلا أن الأبحاث التي يتم إجراؤها بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تشير إلى التحذير من المبالغة في ذكر تلك التأثيرات في إستراتيجية التطوير الحضري، إذ إنه لا توجد أية إشارة إلى أن شكل المدينة له تأثير مباشر على معدل الاستفادة من تقنية الكمبيوتر والتنمية الاقتصادية المصاحبة له، ولهذا يجب أن يتحدد شكل المدينة من قبل الناس الذين يعيشون فيها على أساس الأهداف البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي يبنونها لمستقبلهم لا على أساس استخدام التقنية.