لماذا تستهدف إيران المملكة العربية السعودية ودول الخليج؟
لإيران مطامع إقليمية معروفة ترتبط بتاريخها في الخليج منذ غابر الأزمنة حين كانت إمبراطورية شاسعة تمتد سلطتها سياسياً واقتصادياً فتشمل الشاطئ الغربي للخليج، حيث دول مجلس التعاون الخليجي اليوم. وكل مناهجها المدرسية ما زالت تؤكد ذلك وترسم خارطتها مكتملة كما تدعي بجزر تنتمي اليوم واقعياً إلى دول خليجية مستقلة.
بعد ثورة الخميني في السبعينات تحوّلت إيران الشاه إلى دولة دينية تحكمها سلطة وصراعات الآيات, وتحدّد مسارها متشدداً داخلياً مما ينفر كثير من مواطنيها بها؛ وتحدياً متباعداً خارجياً عن التواؤم مع مصالح القوى الغربية مما يجعلها مكروهة في نظر الغرب. والقوى الغربية في نظر إيران هي من كانت تدعم نظام الشاه, ولها أطماع في نفط إيران, ثم القوى الغربية ذاتها هي من أسست لاستقلال دول الخليج ورسّختها ككيانات مستقلة فكبلت أيدي إيران أو غيرها عن مسها, خاصة وأنّ هذه الدول الخليجية تستقر على كنز ثمين من آبار النفط مصدر الطاقة المسيرة لكل صناعات العالم الحديث وآليات النقل فيه.
إيران غير المستقرة والمهددة بالتصدُّع من الداخل, لا ترفض فقط تحكُّم القوى الغربية في سياساتها ومحاولات السيطرة على نفطها؛ بل هي في ذات الوقت تعايش تناقضاً في إعلان أنها دولة مسلمة تطمح أن تلعب دوراً سياسياً مهماً في التجمع الإسلامي، بينما تبني موقعها على كونها دولة شيعية بحتة لا تتصافى نيّاتها مع جيرانها السنّة، خاصة دول الخليج التي ما زالت أنظمتها ملكية ومذاهبها سنّية. وقد زاد التنافر تنامي التيار المتشدّد في الجانبين. ولكي تبرّر إيران تدخلها في الشؤون الخليجية تعلّقه على مبرر هش هو كونها: «تحمي الطائفة الشيعية» في الخليج الشيعة عرب مواطنون ولاؤهم لقيادات بلادهم وليس انتماؤهم لإيران كما تدّعي. وإذ لا ينفع الإدعاء فقط فهي أيضاً تحاول أن تستقطبهم بتأجيج مشاعر عدم الرضى بينهم عن أحوالهم الاجتماعية.
يظن نظام إيران أنه بذلك يكسب على جبهتين؛ الداخلية والخارجية حيث يحول التركيز الإعلامي عن انتفاضات المعارضة التي تكشف سقوط إيران الذريع داخلياً في إرضاء شعبها الإيراني, وخارجياً يدعي مبرّر الانتماء المذهبي مشرعنة نشاطها بأنه «إنقاذ الشيعة» خارجها.
العملية مفضوحة؛ تنافس على النفوذ ونعرة عصبية ونظرة تعالٍ من الجانب الفارسي إلى العرب الذين يرونهم بدواً متخلّفين بلا حضارة خاصة بهم. وهذا يدل على جهل إيران بجيرانها. فبين الفرس والعرب تنافر متجذّر لا علاقة للمذاهب به وثقة مفتقدة رغم الانتماء لعقيدة الإسلام على مدى قرون, وعبر الحضارات. وإذ تغطس إيران في أزماتها لا تتورّع عن انتهازية التأجيج للمشاعر وتحريض الطائفة الشيعية على الشكوى من التمييز المذهبي ضدهم كمواطنين يفتقدون بعض حقوقهم. ولا يوقفها إعلانهم أنّ ولاءهم هو لأوطانهم وليس لإيران. كما لن تتورّع عن التخطيط لأعمال تخريبية تقنع بتنفيذها أقلية من الغاضبين المؤجّجين.
ما موقعنا من كل هذا؟ السعودية هي أكبر الدول الخليجية مساحة, وأهم الدول العربية اليوم ثقلاً سياسياً عالمياً, وأكثرها استقطاباً للاحترام والاقتداء إسلامياً لوجود الحرمين الشريفين والكعبة فيها. وهي أيضا أهم دول المنطقة اقتصادياً, محلياً وعالمياً, لكونها أكبر مالك ومصدّر للنفط. ولذلك هي من تستطيع أن تحمي الدول الأخرى الشقيقات الأصغر حجماً من أي تطلّعات إيرانية.
يبقى أنّ غالبية الشيعة في أوطانهم لا يرون في إيران أماً رؤوماً. وأنّ تصريحات إيران بغير ذلك هي مسمار جحا تصرف به النظر عن احتجاج مواطنيها ومواطني غيرها على أوضاعهم الداخلية. وما سيحمي استقرار الدول الخليجية داخلياً كدرع فعّال ضد إيران وتأجيجها, هو فقط أن لا تفقد القيادات الخليجية ثقتها بكل مواطنيها بغضّ النظر عن اختلاف مذاهبهم, وأن ترضي متطلّباتهم الحياتية. عندها لن ينظر أي مواطن إلى موقع تعاطف من مصدر خارجي. ولن تستطيع إيران أو أي جهة غيرها أن تفعّل سمومها حتى لو حاولت دسّها عبر تأجيج شرذمة هنا أوهناك. موقف خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز - أطال الله عمره - يجسِّد منتهى حكمة التعامل الراقي مع الجميع: «لسنا في حرب دينية أو مذهبية مع أحد .. ولكننا ضد الدسائس والتعديات السياسية».