هنالك بعد تاريخي مشرق لهاتين الكلمتين البديعتين، ولهما سياق يثير الإعجاب في مجال العطاء وعمل الخير، وفي موسوعة الحج والعمرة للدكتور قطب مصطفى سانو إيضاح لمعنييهما الجميلين، فكلمة سقيا: اسم من أسماء زمزم، وسمي ماء زمزم سقيا لأنه يُسقى به الناس، ويُستشفى به لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم)، وكلمة سقاية كلمة جميلة محببة إلى النفس، وهي اسم لحياضٍ من أُدُم كانت توضع في فناء الكعبة، ويسقى بها الحجيج، وقد حفرت آبار خارجة عن الحرم من أجل سقاية الحجيج - والسقاية من أرقى المهمات التي عهد بها (قُصَيُّ بن كلاب) إلى ابنه (عبد مناف) ثم تولاها من بعده ابنه هاشم وبعده تولاها ابنه عبدالمطلب، وفي عهد عبدالمطلب تم حفر زمزم التي كانت مدفونة مدة طويلة فاستغنى بها عن الآبار الأخرى، وأصبحت بئر زمزم هي البئر الوحيدة التي يُسقى منها الحجاج والمعتمرون، وقد عهد عبدالمطلب إلى ابنه (العباس) بهذا العمل الجليل فقام به خير قيام، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وتم بفضل الله فتح مكة، أقرَّ الرسول عليه الصلاة والسلام عمَّه العبَّاس على السقاية، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلُّ دمٍ أو مالٍ أو مَأْثرة، كانت في الجاهلية، فهي تحت قدمي إلا هاتين، سقاية الحاج، وسدانة الكعبة، فإني قد أمضيتها لأهلها على ما كانت عليه في الجاهلية).
وتقول موسوعة الحج والعمرة: إن الحكومة السعودية أنشأت مكتباً خاصاً يعرف بمكتب الزمازمة الموحد، يقوم بما كان يقوم به بنوهاشم من سقاية الحجاج.
وإني لأذكر هنا - لأشيد به وأشكره - الأخ الفاضل منصور العامر المشرف المدير لمؤسسة هدية الحاج والمعتمر الخيرية، فقد تفاعل مع مقال سابق لي في هذه الزاوية ذكرت فيه حديثي مع حاج باكستاني طاعن في السن في ساحة الحرم المكي، واتصل بي مذكراً بلجنة السقاية والرفادة بمكة المكرمة، وهي لجنة ذات شخصية اعتبارية كان يرأسها الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، أمير مكة الراحل - رحمه الله - تنضوي تحت إمارة مكة المكرمة، وتعمل على التنســيق بين الجهــات الخيرية والجهات الحكومية لتقديم خدمات السقاية والرفادة، (الإطعام) لقاصدي البيت الحرام والمشاعر المقدسة، وللجنة أهداف رائدة، وأساليب تنفيذ متميزة يمكن الاطلاع عليها في مظانِّها.
وما دمت قد ذكرت (هدية الحاج والمعتمر) فلا بأس من الإشارة إلى جهود رائعة تقوم بها في خدمة هذه الألوف المؤلفة من حجاج بيت الله الحرام، ومعتمريه، وقد رأيت من أساليبهم المتطورة في هذا المجال ما يدل على الإبداع والابتكار، فهم من خلال مكتبهم الذي يقع في عمائر مكة (شركة التعمير) يقدمون للناس خدمات جليلة من حيث الإرشاد ورعاية أحوال التائهين من الأطفال وكبار السن رعاية تثير الإعجاب، وترسم أجمل لوحات العطاء الخيري المتميز في هذا المجال.
أشكر أخي الفاضل (منصور العامر) الذي رأيته يكتب (خدمة الحجاج) بحروف من نور ومعه ثلة مباركة من الشباب المتفاني في العطاء، كما أشكر الأخ الكريم (محمد الحارثي) أبا إبراهيم الذي حمل إليَّ بعض المعلومات عن هذه الأعمال الجليلة المتعددة على أرض الواقع بتوجيه مباشر من الأخ منصور.أدعو من يزور البيت الحرام إلى زيارة مؤسسة هدية الحاج والمعتمر ليرى تلك اللوحة البديعة لعمل الخير في أطهر بقاع الدنيا.
إشارة:
ما أحوج هذه الأعمال الرائعة إلى اهتمام وسائل الإعلام!!