|
افتتح نائب وزير التربية والتعليم المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر, صباح أمس الثلاثاء, بجامعة بكين أعمال الملتقى الرابع لجائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة والذي تنظمه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ضمن فعاليات الاحتفال بتكريم الفائزين بالجائزة في دورتها الرابعة بالعاصمة الصينية بكين.
وأكد ابن معمر في كلمته في افتتاح أعمال الملتقى والذي حمل عنوان «دور الترجمة في إثراء الصلات الثقافية بين الشعوب.. العلاقات العربية الصينية نموذجاً» أهمية الترجمة لتعزيز التعاون والتواصل المعرفي والحضاري الخلاق, مشيراً إلى ما تمثله جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة, لتشجيع حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها في كافة فروع المعرفة الإنسانية والطبيعية, تجسيداً لمبادرته - حفظه الله - لتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات الإنسانية.
وقال المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أن هناك رغبة من الجانبين العربي والصيني في تعزيز العلاقات الثقافية والحضارية بينهما، تواصلاً مع المعطيات التاريخية الرائدة للتقارب بين هذين الشعبين الصديقين على جميع المستويات السياسية والثقافية والعلمية والاقتصادية، وتبادلاً للآراء والأفكار والمقترحات في جو من الصداقة والصراحة وتعزيزاً للصلات الثقافية بين الشعبين، وتوطيداً لعلاقات الصداقة بين الجانبين، مؤكداً أهمية تفعيل الجهود المشتركة في استثمار الرصيد التاريخي بين الشعبين ليسهم في تدعيم وتنمية القواسم المشتركة بين الحضارتين، وتعميق معرفة كل طرف بالآخر عبر آلية مستمرة لتفعيل حركة الترجمة للمؤلفات باعتبار الترجمة أهم آليات الحوار والتواصل بين الشعوب، وإيجاد آلية دائمة أيضاً للتواصل العلمي بين المؤسسات العلمية والبحثية والجامعية والأكاديمية العربية ونظيراتها الصينية جنباً إلى جنب لتحفيز إعداد البحوث والدراسات حول الحضارتين والتحديات التي تواجههما، وتعزيز التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية بوصفه خياراً إستراتيجياً يؤسس لعلاقات ثقافية متميزة تشمل شتى مجالات الفن والفكر والإبداع، والاهتمام بفتح المراكز الثقافية باعتبارها وسيلة لإبراز الخصائص الثقافية للجانبين من خلال الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية المختلفة، داعياً إلى أن تساهم جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة إلى جانب مشاريع الترجمة القائمة في العالم في تحقيق قوة دفع حيوية وتمضي بالجهود السابقة إلى ما يمكن أن يكون بداية مشجعة لنهضة شاملة تبدأ من الترجمة إلى المجالات المرتبطة بها والمترتبة عليها. وختم معاليه كلمته بتقديم الشكر لجمهورية الصين قيادة وحكومة وشعباً وجامعة بكين لاستضافة هذا الملتقى العلمي بحضور نخب ومثقفين من مختلف دول العالم.
وتواصلت أعمال الملتقى بورقة عمل قدمها معالي الدكتور محمد السويل رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بعنوان «إسهام المسلمين والعرب في علوم التعمية وكسر المعمى»، قال فيها إن إسهام المسلمين والعرب في علم التعمية كبير جداً والذي لم يدرك إلا في الوقت الحاضر، فقبل 700 سنة كتب علي بن محمد بن دنينير كتاباً اسمه «رسائل في المعمى»، وبعد 600 سنة كتب المؤرخ في علم التعمية ديفد كان حينما قرأ كتاب القلقشندي وذكر أنه أشار إلى ما عمله ابن دنينير بأن العرب لهم باع طويل في التعمية، ومشيراً أن «ديفد كان» ذكر أن التعمية علم ولد وترعرع عند العرب والمسلمين، بعد ذلك قبل 33 سنة هناك باحثون سوريون منهم الدكتور محمد مرياتي ومير علم قرأوا ما كتبه ديفد كان، وقرروا أن يبحثوا عن مخطوط ابن دنينير، خصوصاً أن هناك باحثين من الغرب قالوا إن ذلك خيال وأنه لا يوجد شيء يذكر أن العرب كتبوا في المعمى وعلوم التعمية، وفي نهاية بحثهم وجدوا أن هناك 15 مخطوطاً، وفي إطار بحثهم وجدوا أقدم مخطوط في علم التعمية كتبه يعقوب الكندي قبل 1200 سنة، نشروا هذه المخطوطات بعد تحويلها إلى اللغة العربية. وفي عام 2001، تبنت مدينة الملك عبدالعزيز ترجمة هذه الكتب، ونشرت بالتعاون مع مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية، ونشر من هذه الكتب ستة مجلدات والسابع في الطريق، وهي مكونة من تسع مجلدات. وأكد السويل أنه بعد نشر هذه الكتب في اللغة الإنجليزية صححت المفهوم السائد لدى الغرب بأن أصل علم التعمية لم يكن لدى العرب، وحينما ظهرت هذه الكتب ونشرت رجع تاريخ علم التعمية 500 سنة إلى الوراء ونسب إلى العرب، ولقد أسهمت هذه الجهود بتصحيح غلطة تاريخية وأعادت للعرب مكانه الصحيح في علم التعمية.
ثم قدم البروفسور الصيني تشونغ جيكون والذي تكرمه الجائزة هذا العام, لإسهاماته البارزة في مجال الترجمة العربية الصينية. ورقة عمل عن دور الترجمة في إثراء الصلات الثقافية بين الشعوب: العلاقات العربية الصينية مؤكداً فيها أن جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة تمثل تقديراً لعمل الترجمة, لا نجد له مثيلاً في التاريخ إلا في الأمتين العربية والصينية في القرون الوسطى, بما يعيد إلى الأذهان تجربة بيت الحكمة في عصر الخلافة العباسية.
وقال إن معطيات عصر العولمة وثورة المعلومات جعلت من العالم قرية صغيرة, تحتم السعي لكل ما يحقق السلام والتآلف بين سكانها من البشر على اختلاف ثقافاتهم, مؤكداً أهمية مد جسور الحوار بين الحضارات وتعزيز الصلات الثقافية بين الشعوب من خلال تفعيل حركة الترجمة, حيث إن تاريخ الحضارات الإنسانية هو تاريخ الترجمة, واستدل على ذلك بالعلاقات بين الحضارات القديمة الباقية, ومنها الحضارة الصينية والحضارة العربية الإسلامية وتأثيرها في الحضارة المعاصرة من خلال فعل الترجمة, وما إتاحه من حوار وتواصل وتلاقح بين الحضارتين وتبادل الاستفادة بينهما في كثير من المجالات الثقافية والعلمية.
وعبر البروفسور جيكون من خلال استعراضه للصلات التي تجمع الحضارتين الصينية والعربية, عن اعتزازه بإسهامات المترجمين المستعربين الصينيين في تعزيز هذه الصلات الثقافية, مشيراً إلى جهود جمعية بحوث الأدب العربي في الصين في مواصلة مسيرة الترجمة العربية الصينية, والتي بدأت بترجمة معاني القرآن الكريم, وترجمة قصيدة نهج البردة للبوحيري, وألف ليلة وليلة, وصولاً إلى الأعمال للمبدعين والأدباء في العصر الحديث مثل أعمال جبران خليل جبران, ونجيب محفوظ, وديوان حرف ولون للشاعر الأمير خالد الفيصل, وديوان عزلت صديقة لأدونيس, مروراً بأعمال الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الصافي, ونازك الملائكة, وعمر أبو ريشة، ونزار قباني, ومحمود درويش, ورواية العصفورية للدكتور غازي القصيبي.
وأوضح الدكتور حسام مصطفى أن طريق الحرير والذي سافرت خلاله القوافل الصينية إلى أرض العرب, كان طريقاً لانتقال الفنون والآداب بين العرب والصينيين, ومع انتشار الإسلام تزايدت هذه العلاقات عمقاً, انطلاقاً من الروابط التاريخية القديمة وبدعم من مبادئ الإسلام ذاته وأوامره الداعية إلى التعارف مع الشعوب الأخرى.
وقد تضمنت كتب أسرة نانج شو القديمة ما يشير إلى التواصل الرسمي بين الصينيين والعرب خلال عهد الخليفة عثمان بن عفان والذي شهد إرسال عشرات البعثات إلى بلاد الصين, كما يسجل التاريخ أن التجار العرب والمسلمون عمروا أحياء عديدة في نواحي الصين الذين وصلوا إليها, وكان لهم نطاق إدارة خاص لهذه الأحياء, وفقاً لاتفاقاتهم مع حكومات المدن الصينية وتطور الكثير من الأعمال المترجمة من اللغة العربية إلى الصينية ومن الصينية إلى العربية, إلا أن حجم هذه الأعمال لم يرتق إلى حجم الحضارتين العربية والصينية, واعتمدت حركة الترجمة في كثير من الأحيان على الاستعانة بلغة وسيطة, وهو ما أثر على جودة الأعمال المترجمة, ولا يزال هذا الأمر يشكل عقبة كبيرة يجب تخطيها بكل الوسائل الممكنة.