حسين خلقٍ للرفاقة والأحباب
وكل العلوم الطيبة منهج له
ديوان بيته ما يصكون له باب
له مجلس كل القبايل تدله
لا هوب هذار ولا هوب سباب
ونفسه معلمها على الطيب كله
للراية العليا وللطيب كساب
روس الجبال النايفة مدهلٍ له
ليس أصدق من هذه الأبيات التي قالها الشاعر ابن نوطان المري في وصف الخصال الحميدة ومزايا فقيدنا الغالي الوالد الشيخ منصور بن مانع بن جمعة. يوم وفاته كان يوم حزن عمّ جميع من عرفه, وكل من سمع بسجاياه وخصاله الحميدة, وكل من عل من كريم بره وعطاياه. في هذه الدنيا رجال إذا رحلوا تركوا أثراً في النفوس لما خلفوه وراءهم من أعمال كبيرة, وخدمات جليلة قدموها لأبناء مجتمعهم ولكل المحيطين بهم. فجاء وقع الفاجعة والرزء بهم كبيراً ككبر قاماتهم, وجليلاً كجلال قدرهم. لقد رحل الوالد الشيخ منصور بن مانع بن جمعة صاحب الأيادي البيضاء على جميع من عرفه وطلب عونه أو شفاعته. وبرحيل أبي مانع انطفأت شمعة طالما أضاءت ما حولها، فعمّ الحزن هجر أم تالع وعريعرة وأم العراد وكل ما جاورها. لقد حزنت برحيله الشوارع والطرقات التي كانت له أياديه البيضاء في تعبيدها, وتقاطر دمع الأشجار التي غرسها, واغتمت النفوس التي كثيراً ما كان واساها. كان الفقيد الكبير رجلاً تجسّدت فيه كل معاني الرجولة ومزايا الرجال الكبار التي تجبرك على احترامه, لقد سعدتُ كثيراً بزيارة مجلسه والاستئناس برأيه والاستفادة من نصائحه والتعلُّم من سجاياه الحميدة, فكان المصاب به كبيراً. كان يتواضع للضعيف ويحنو على الصغير ويهش للضيف وينتصف للمظلوم ويساعد المحتاج ويفك ذا العانة, ولم يخل مجلسه يوماً من قاصديه ومحبيه. كان أبو مانع كالدوحة الكبيرة، يستظل بظله أبناء عشيرته والمحيطون بها وكل من قصده, وكانت هذه الدوحة تستوعب الجميع كما كان قلبه الكبير. ورغم أنه لم يكن يميل إلى سماع الثناء والإطراء والمديح؛ لكن الرجل بكريم سجاياه وما اتصف به من خصال حميدة, دفع الكثير من الشعراء إلى مدحه والثناء عليه، ومنهم الشاعر الراحل حسن الشامري حيث قال:
شيال الثقيلة شبح عينه ما هو قريب
عيونه على ربعه وديرته عمرها
وقال الشاعر ذيب بن راشد الذيب:
عند وجهك تصغر كبار المصايب
وكل عقد في يدك يا شيخ حله
كم يتيم جاك ودموعه سكايب
في طرف بيتك سكن وانزاح همه
وكم سجين حملوه الطلايب
انتخى بك وانتشلته من محله
هذا غيض من فيض ما قيل وما قد يقال في الراحل الكبير, فقد فَقَد الوطن برحيل الشيخ منصور بن جمعة واحداً من رجالاته المخلصين الذين عملوا لخير أبنائه, وأسهموا في صروح بنيانه. فماذا بعد أقول: إنّ اللسان لا يمل من الثناء وتكرار الدعاء, وإنّ القلم لا يفتر عن تسطير مناقب الفقيد وأفضاله, ولكن ليس لنا في الختام إلاّ أن نرضى بقضاء الله وحكمه. فرحمك الله أبا مانع وأسكنك فسيح جناته, و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. وإلى أبناء الفقيد وبناته وزوجاته وإلى كل محبيه نقدم تعازينا الحارة بوفاة الفقيد الكبير, وكلنا عشم في أن يكمل أبناؤه البررة مسيرة والدهم العطرة, وأن يبقى مجلس الشيخ منصور عامراً كما كان على الدوام.
منصور الدامر