أن تتأخر رحلة لدقائق، أو حتى لساعات فقد نتجاوزه، وأن يحدث أن يكون في الطائرة عطل فني فيهبط المسافرون بعض الوقت فأمر قد نغمض عنه، وأن يعقد حاجبيه موظف الكاونتر في أحد المطارات وينظر نحوك بازدراء فقد نغمض ونستلم كرت الصعود بصمت ونمضي إلى البوابة، وأن يتغيّر رقم بوابة الصعود عمّا هو في كرت الصعود، ويختلف عن رقم البوابة المسجّل على اللوحة الإلكترونية مما قد يتسبب بإقلاع رحلتك، لأنك تجلس أمام البوابة الخطأ نظراً للفوضى، فأمر يجعلك تقول لنفسك: الشكوى على الله!. وتقاتل بحثًا عن مقعد في الرحلة التالية...
وأن تُفاجأ بأنّ اللحم الذي كنت تأكله طوال سنوات في رحلات الناقل الوطني، كانت لحوماً مشكوكاً في مصدرها، فقد تقول عفا الله عمّا سلف، فكل هذا القصور ذو صبغة محلية، يعني كلنا نعرف أنّ خطوط ناقلنا الوطني قد وصل وضعها إلى مرحلة الكارثة، ولكن كما يقال عادةً (كل شيء من فوقنا) وعلينا أن نتسامح ونتجاهل ونبرّد حرّة أكبادنا بالنكات اللاذعة التي نتداولها عبر أجهزة الاتصالات الحديثة، كي نتماسك ولا نحرج وزارة الصحة بإصابات الجلطات والسكتات الدماغية!.
لكن ماذا سنفعل حينما تصبح (فضيحتنا بجلاجل) وأمام العالم، وقد تأخرت رحلات، وألغيت أخرى، وتحوّل مطار الملك عبد العزيز بجدة إلى مجموعات مسافرين مفترشين لا يختلفون عن الحجاج في عرفة، بل تجاوز الأمر إلى خصومات وملاسنات مع معتمرين مصريين، ثم إلى اعتداءات ومضاربات بين معتمرين جزائريين وموظفي المطار، فهو أمر يجب أن يتم اتخاذ قرارات صارمة بشأنه، وإنْ كنت أتمنى أن يبادر من يشعر بالذنب مما حدث إلى الاستقالة، لا أن تكتب الصحافة بأنّ هناك بياناً سيصدر من الخطوط ليبرّر حوادث التأخير والاعتداءات، ولم يعق صدور البيان إلاّ التوقيع عليه، فأيّ بيروقراطية تلك التي تبرّر الأخطاء بالبيانات التي لم تجد من يوقّعها، بدلاً من الاعتذار عمّا حدث، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، وتعويض المتضرّرين، لا أن تعتبر إسكان هؤلاء في فنادق بجدة معروفًا تجاه هؤلاء أصحاب الحق.
ماذا يبقى من سمعة أي ناقل جوي حينما يرتكب خطأ ضد مسافر؟ مجرّد مسافر واحد قد يكون مسيئًا لسمعة هذا الناقل، فما بالك إذا كانوا مجموعات بالمئات من المسافرين، وعلى مدى أيام وليال، بل وتبثّه وكالات أنباء وقنوات فضائية، ويصل الأمر إلى اشتباك بالأيدي، يعني قصوراً من الناقل الوطني والتي أصبحت مكشوفة للعالم، ونحن لم نزل ننتظر بياناً تبريرياَ لم يتم توقيعه، يا إلهي!.
رغم أنني دافعت طويلاً عن ناقلنا الوطني، ومازلت أضعه أول خياراتي حينما أسافر إلى الخارج، إلاّ أنّ الأمر لم يَعُد مقبولاً أبدًا، ويحتاج إلى تصرُّف سريع لإعادة الخطوط إلى ما كانت عليه قبل سنوات، حينما كان من المستحيل أن تلغى رحلة إلاّ في حالات نادرة جدًا، حينما كان أحدنا يتنازل عن وجبة فندق محترم مقابل وجبة طازجة أثناء الرحلة، حينما وحينما، فخطوط الدول المجاورة تتطوّر بتسارع، وخطوطنا تنتكس بشكل مريع، فلا بد من قرارات حاسمة!.