تصْرَّمتَ لكنَّ الرَّجا ما تصرَّما
بُكاءانِ.. دمعي والفُؤادُ تعنْدما..
ورائحةٌ من بارحاتٍ طوتْ ضحىً
تسابِيحهَا عن بهرجِ النَّاسِ صُوَّما..
فلاهيتُهَا هلْ في نَدى الريشِ مَا حكَى
لذي الريحِ صبرًا أنْ حكى أن تظَلَّما..
صففنَ كمحزونِ النِّدا في فؤادهِ
ويقبضْنَ لا خُرسًا ولكنْ تَكلُّما..
وإنِّي على دمعِي، كأنْ خَرِسَ الفضَا
فينجابُ دمعي صوتَ ريٍّ مُنعَّما..
وينجابُ دمعي فوقَ جفني مياسمًا
نديةَ أعرافٍ ، فيالكَ ميْسِما..
أعشرونَ لو أنَّ اللياليَ حُفَّلًا
(تواسيَ) بعضًا، كنتُ في بعضِها فما..
وكنتُ غريرًا أتبعُ اللونَ بهجةً
وكنتُ بهيجًا إثرَ صُبحٍ مهيْنِما..
وكنتُ أنا الصوتَ، الصدى، الشيبَ لم يشبْ
كأنْ صار هذا الليلُ شيبًا مُعمَّما..
كأنْ قدْ غشِيْ الأنَّاتِ في سَحرٍ رُوًا
وأنَّ اصْطفَائِيها أهلَّ وأحرمَا..
أهلَّ بأوبٍ منْ مغانٍ وحُرِّمتْ
وأحرمَ عنْ تيه الصباباتِ مغرما..
فيا ساقياتِ الليلِ عيني ببابكمْ
وأخرى تُراعي الليلَ ليلًا وأنجُما..
وتسرحُ في أنداءهِ حينَ يمَّمَتْ
مزاميرهُ نشوى، وكلِّيَ يمَّما..
مزاميرَ داوودَ -المسا- بعضُ صوتِنا
فمنْ يُشبهُ الصوتَ -المسا- راحَ أنعما..
فيا أنتَ كلُّ الشجوِ أنتَ كأنما
يروحُ الشَّجى في ماءِ عينِكَ مأتما..
كأنْ قد نما في ماءِها الشِّينُ ، جِيمهُ
فصار شجى عينٍ و في ماءِها نما..
ألا ليتَ إنِّي وقدُ نجمٍ مُسَطَّرٍ
بأجوازِها الدنيا، برائقةِ السَّما..
سُهيْلٌ بنأيِ الريحِ أُفرِدَ مغربًا
وأُفْرِدَ في عيْنِي ارتعاشًا مُتيَّما..
سُهيلٌ يمانيٌ كما الحكمةِ التي
يقولُ صفِّيُ اللهِ، طُوباهُ حيثُما..
أَفِضْ عنكَ ذكرانا، أَفِضْ عنْ طُيوبنا
وقُلْ لأبي موسى، يمانانِ أنتما..
وبالشامِ أيُّ الصوتِ نازحُ غُربَةٍ
كمزمارِ ناءٍ إذْ بكى لكَ هيْنَما..
(بلالُ) فديتُ النأيَ نأيَ مُقَرَّحٍ
فراقَ حبيبٍ، كدتَ تبكي لهُ دما..
نأيتَ وما في الجفنِ غيرُ تأوهٍ
وأخْصَبْتَ سهلَ الشامِ في لاهبِ الظما..
أيا سيدَ الصوتِ الذي.. قلتُ ما الذي
فَطَمْتَ مزاميرَ النَّدى أنْ تكلَّما..
تؤوبُ فتنْدى الحرَّتانِ بصوتهِ
ونخلُ العوالي.. ما بقيْ ما تصرَّما..
ويُجهشُ بي قُدسيُّ ذا الصوتِ صادحًا
فأندبُ صوتِي والزمانَ المُصَرَّما..
تؤوب فتنْدى الريحُ، للهِ كمْ جَرَتْ
بصوتِكَ وشْيًا -غيرَ وشْيٍ- مُرَّقما..
تَعِفُّ فتبيَّضُ اللياليَ وردةً
كأنْ (أحدٌ) لمْ تُبقِ في الكونِ مُظلِما..
يقولون عفَّ الصُّبْحُ عن بعضهِ جوًى
فمنْ لجوايَ اليومَ أُفْرِدَ أبْكما..
وأُفْرِدَ مخضوبَ النِّداءاتِ لم يعُدْ
شبيهًا بصمتٍ أو شبيهًا بأعجما..
متى حينَ يأتيْ الصَّيفُ أذكرُ وحشتي
وآوي إلى بعضي، متى، كَيْفَ، لمْ، لِمَ؟
وأنقشُ عينًا في التخاييلِ أُفرِدَتْ
من الناسِ والأشياءِ واللامِ واللَمى..
فيا ساقياتِ الليلِ عيني ببابكمْ
أُبعْثرُ أشيائي كأنْ مائِيَ الظما..
ويا ساقياتِ الليلِ ليسَ الظما ظمًا
إذا أنا آوي -بعدُ- للهِ صُوَّما..