إنّ السياسي الأمريكي سيئ الحظ هو الذي يتولاّه فريق البرنامج الكوميدي الشهير « ليلة السبت على الهواء»، وهو البرنامج الذي تخرج فيه أباطرة الكوميديا الأمريكية، وعلى رأسهم الكوميديان الشهير» إدي مرفي». قبيل انتخابات العام 1988 الرئاسية بين الجمهوري جورج بوش الأب والديمقراطي مايكل دوكاكس، تسلط أبطال البرنامج على جورج بوش الأب، وكان من ضمن ما ابتدعوا دعاية تلفزيونية تظهر فيها زوجته - السيدة الأولى حينها - باربرا بوش بتجاعيد وجهها الشهيرة مع صورة أخرى لها في شبابها وهي فتاة جميلة، ثم يأتي صوت في الخلفية ليقول: «انظروا ماذا فعل بوش بهذه المرأة، فهل تريدونه أن يفعل ببلدكم مثل ذلك»!.
اتضح لاحقاً أنّ الذي كان حفياً بهذه الدعاية هو الرئيس بوش الابن، فهو تسلّم دولة مزدهرة، ثم تركها مدمرة بشكل غير مسبوق. لقد حكم الرئيس وليام كلينتون فترتين، واتسمت سنوات حكمه بالرخاء الاقتصادي والسلام، وحتى عندما تدخّل عسكرياً في صربيا، فهو فعل ذلك بمساندة عالمية غير مسبوقة، وكانت تلك الحرب من أقصر الحروب وأكثرها نجاحاً في التاريخ الحديث. بعد ذلك نعرف جميعاً ما فعل بوش الابن وما حلّ بأمريكا نتيجة النصائح التي كان أبطالها «المحافظون الجدد» ومن يقف وراءهم.
كان السوء الذي لازم سنوات حكم بوش الابن، هو السبب الرئيس وراء السابقة التاريخية المتمثلة بفوز أول - وربما آخر - رئيس أسود بالتاريخ الأمريكي. الرئيس أوباما أثناء حملته الانتخابية عزف على وتيرة « نعم... نحن نستطيع»، وهو هنا كان يتحدث عن التغيير الذي كانت أمريكا بأمسّ الحاجة إليه بعد ثماني سنوات من الخسائر الفادحة والإخفاقات المتتالية. هذا الشعار لامس شغاف قلوب الكثير من المحبطين من الشعب الأمريكي، وخصوصاً الأقليات العرقية وعلى رأسها السود واللاتينيون، ثم انتقلت العدوى إلى شريحة واسعة من البيض، وهو ما قاد في النهاية إلى تحقيق المعجزة التاريخية بفوزه بالرئاسة.
لم يكن هيناً على «المحافظين» فوز رجل أسود بالرئاسة، وكان أفضل من شخّص هذه الحالة هو الكاتب المحافظ الشهير بات بوكانن، والذي قال: «إنهم - أي المحافظون - يشعرون أنّ بلدهم اختطف منهم!، ولذا لا يشعرون بالأمان». بعد ذلك تم تأسيس «حزب الشاي»، وهو حزب محافظ، إنْ لم يكن عنصرياً بامتياز، وجعلوا جل همهم محاربة أوباما ومشاريعه والوقوف عقبة في طريق نجاحه، حتى لا يتمكن في النهاية من الفوز بالرئاسة لفترة ثانية. الغريب في الأمر أنه وعلى الرغم من «شطحات» منظري هذا الحزب، إلاّ أنه استقطب عدداً هائلاً من الناخبين، ما ساهم في فوز كثير من أتباعه بعدد معقول من مقاعد الكونجرس في الانتخابات النصفية لعام 2010، وهو ما حقق أمنيتهم في محاولاتهم الحثيثة للإطاحة بالرئيس أوباما.
المؤلم أنّ أوباما وقع في المصيدة بعد أن تنازل عن الكثير في سبيل إنجاز الاتفاقية الأخيرة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي قبل أيام، فقد كانت تنازلاته الغريبة «لحزب الشاي» سبباً في حنق الأغلبية الساحقة من قاعدته الانتخابية المتمثلة بالفقراء وأبناء الطبقة الوسطى من كل الأعراق، وفي تقديري أن هذه قد تكون بداية النهاية لتاريخه الرئاسي. كان بإمكانه أن يبقي على وعوده الانتخابية، وأن لا ينزل عند رغبة «حزب الشاي»، ومع أن هذا قد يكلفه الفوز بالرئاسة لفترة ثانية، إلا أنه من الأفضل أن يتذكره الناس على أنه صاحب المبادئ الذي حكم فترة رئاسية واحدة، بدلاً من أن يخيب الظن ويبقى في نظرهم « مجرّد سياسي انتهازي آخر»، خصوصاً وأنه قد لا يتمكن من الفوز على أي حال بعد تنازله الأخير!.
وختاماً، فإنّ سير الأحداث يشير إلى صعوبة فوز أوباما بفترة رئاسية ثانية، هذا إذا لم يتخلّ عنه حزبه الديمقراطي، ويدعم بدلاً منه المرشحة السابقة ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فهناك إرهاصات تشير إلى هذا التوجّه، والذي بالتأكيد سيكون كارثياً على الرئيس الذي دخل التاريخ بمفاجأة، وقد يخرج منه بمفاجأة أكثر دوياً.
فاصلة: «في النظام الديمقراطي، يبذل كل حزب سياسي كل الجهود والطاقات ليثبت أنّ الحزب المنافس غير مؤهّل للقيادة» .. هاري منشن.
amfarraj@hotmail.com