مقدمة بين يدي البحث:
لما للحج لدى المسلمين من أهمية عظيمة فقد اعتنوا بهذه الشعيرة عناية تامة منذ أن فرض ولازالت مظاهر هذه العناية واضحة للمتأمل ومن ذلك الاهتمام الكبير بتسهيل سبل تنقل الحاج من بلده حتى وصوله إلى البيت العتيق ومن مظاهر ذلك العناية باختيار منازل هذه الطرق ومتعشياتها كل ذلك لتتم عملية الانتقال بأقل قدر من المشقة احتساباً للأجر والثواب ممن لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وطريقنا الذي سنتحدث عنه فرع يتفرع من أحد طرق الحج المتجه إلى مكة ولكن هذا الطريق يتجه إلى المدينة النبوية فإلى طريقنا من فيد إلى المدينة.ينطلق هذا الطريق المتجه إلى مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من فيد وهي بلدة لا تزال معروفة وتقع إلى الجنوب الشرقي لمدينة حايل؛ حيث تبعد عنها ما يقرب من 90 كيلاً وهي نقطة البداية لهذا الطريق المسمى قديماً بطريق الأخرجة.
وقبيل الشروع في وصف هذا الطريق وموارده التي يمر بها سنحاول التوصل إلى مقدار وحدة قياس الأبعاد المستخدمة قديماً وهي الميل الأول وقد حدد البعد بين فيد وإبضة أحد موارد هذا الطريق التي لا تزال تعرف بهذا الاسم إلى الآن، وقد حدد البعد بينها وبين فيد بأنه 14ميلاً , وبقياس المسافة بالكيلو بينهما وجد أنها تقارب 23 كيلومتراً وبقسمة هذا الرقم على عدد الأميال المعطاة وجد أن حاصل القسمة يساوي 650 متراً وهو الرقم الذي سيستخدم في قياسات الأميال في هذا التقرير باعتبار أنه قيمة الميل الأول بالكيلو متر.
إذن ننطلق بعد فيد إلى الموضع الذي ذكر صاحب كتاب الطريق وكيع صفحة 269: (وعلى أربعة عشر ميلاً من فيد منازل للأعراب فيها نخل وآبار ماؤها غليظ يقال للموضع إبضة) وهي قرية معروفة لا تزال تحمل نفس اسمها القديم وهي تقع إلى الغرب بميلٍ إلى الجنوب عن فيد والشنان قريبة منهما.
ولكن ماذا بعد فيد وإبضة ومالذي لدى وكيع في كتابه الطريق ؟
يقول وكيع صفحة 269: (من فيد إلى الأخرجة 27 ميلاً ونصف).
أي ما يعادل 27 x 1.65 = 45.375 وهذا البعد ينطبق على قرية الصفراء وهي كذلك على سمت فيد وإبضة للمتجه إلى المدينة النبوية.
لحيي جمل:
بعد أن تجاوزنا الأخرجة التي سمي الطريق عليها (طريق الأخرجة) وهي حالياً -من وجهة نظري- التي أسلفت هي ما يسمى الصفراء فلنلق نظرة على ما كتبه صاحب كتاب الطريق عن هذه المرحلة حيث يقول في صفحة 270: (ثم لحي جمل على ستة أميال من الأخرجة وبينهما بئران وأبيات للأعراب).
ولعل أقرب ما ينطبق عليه هذا الوصف للسائر على هذا السمت هو عقلة ابن طوالة (عقلة ابن كليب) (سميت عقلة لأن آبارها قريبة الماء بحيث يمكن باستخدام العقال استخراج ماءها لقربه) وتبعد هذه القرية عن قرية الصفراء تسعة كيلومترات ونصف وهو ما يطابق البعد الذي ذكره وكيع في كتابه الطريق كما أسلفنا ويؤيد أيضاً اختياري للصفراء أنها الأخرجة أما البئران المشار أليهما في الكتاب فلعلهما بئرين من آبار عقلة ابن داني فهي بين الصفراء وبين عقلة ابن طوالة (عقلة ابن كليب).
ولنواصل الآن تتبع طريقنا مع وكيع حيث يقول صفحة 270: (ومن لحيي جمل إلى بريد أرمام خمسة أميال ونصف).
فلنبحث الآن عن موردٍ يقع على وادٍ على سمت طريقنا ويبعد عن عقلة ابن طوالة نفس البعد الذي أشار إليه مؤلفنا رحمه الله , إن هذا الذي أشرنا إليه ينطبق على قصير ابن متروك الذي يقع على وادي القصير (وادي أرمام) الذي تجتمع فيه أودية من أشهرها وادي الخنقة ثم يصب الجميع أخيراً في وادي الشعبة (وادي الثلبوت قديماً).
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن بعد قصير ابن متروك (بريد أرمام) عن لحي جمل (عقلة ابن طوالة) يقارب 9 كيلو مترات , وقبل أن نواصل مسيرنا في طريقنا نورد النص التالي عن كتاب الطريق لوكيع صفحة 270: (و أرمام وادي, مجمع أودية في الطريق تقطعت في موضعين في الأول منها عن يمين الطريق بئر عادية يقال لها الطلوب). ولعلها هي أحد آبار قرية الخنقة التي تقع فعلاً إلى يمين طريقنا طريق الأخرجة.
ثم يواصل المؤلف وصف الطريق قائلاً -صفحة 270 إلى 271: (وبغمرة مرزوق قصر وآبار ماؤها عذب وأبيات كثيرة ومن غمرة مرزوق إلى العنابة عشرون ميلاً ونصف).
ولو سرنا على سمت طريقنا للاحظنا أن الشبرية هي ما ينطبق عليه الوصف السابق من جهة السمت ومن جهة البعد عن العنابة التي سنتحدث عنها - إن شاء الله - في مقال قادم وهي (بركة الحميمة).
ومما يؤيد هذا الاختيار (كون غمرة مرزوق هي الشبرية) ما أشار إليه المؤلف صفحة 271 أن الغميرة وهي قليب قديمة مالحة مندفنة وهي على شاطئ الثلبوت حيث يبعد شاطئ الثلبوت (الشعبة) عن الشبرية ما يقارب عشرة كيلومترات وهو نفس البعد بالميل الأول
(ستة أميال).