سأحكي حكاية رجل عظيم، عشق الأرض بفطرته، أرضه مباركة، تربته مخصبه، مياهه وفيرة، غير عابئ بأي شيء يصرفه عن حب الحياة، يغني في غدوه لبستانه وحين يعود مساءً لأهله، قناعته إذا تنكر للأرض لن يرسل نورا ولا إلهاما ولا مطرا بل سيرسل الخراب، لم يصدقه أحد.. حينها تركوه يغني لقناعته.
ذات يوم وهو عائد يغني، رأى من بعيد ملامح بلدته قد تغيرت، البيوت متهدمة. هبّ للنجدة، الأرض تناديه: «استمر في الغناء، لا تدعها تبكي «
اقترب أكثر فأكثر.. في الأنقاض عينٌ شامخة نحو السماء، ونصف جناح ينفض عنه التراب، وفم يتأهب للغناء.
مداهمة
حين تُداهمه حالة الكتابة، يتحول بيته إلى سجن، تُخرس فيه الكلمات، وحده القلم يجوس الوجوه والجدران، يقرأ عليها صمت القبور، فتغدو الورقة أنثى مهزومة، ينثر عليها سطوراً لا تخلو من ارتعاشات الهيبة، في لحظة تجلٍ تحيله كائناً بدائياً، يضحك.. يبكي.. يزعق، وأحياناً يحادث نفسه بكلام مبهم، فتتلبس البيت موجة رعب، يغلقون الأبواب، ويوصدون النوافذ، حبساً لهذاينه الذي انطلق من قمقم الكتابة، وهو يُحدّق في كل شيء، يريد أن يمحو النور، ليظلّ مع قلمه، وفضلة عقل لم تهرب من صندوقه رأسه العظمي، منهمكاً في عوالمه، وعينه على الورقة، تُحاول الفرار من سلطته، يَلحق بها، ويُشعل فيها النار، ثم يغفو على استنشاقها، ويده قابضةٌ بقوة الجنون على القلم حتى يحطمه، فتعود الحياة إلى البيت.