|
كان هناك حطاب (مفلِّق) فقير، له جار تاجر يعيش بالقرب منه، فبيتاهما لصيقان ببعض كان المفلق يقوم في البكور يقصد الله، ويغلق الحطب بلا كلل أو ملل، فيتعب أشد التعب ومحصلته اليوميه، قليل من النقود، لاتساوي جهده وكده، وعند الظهيره، وبعد أن يكمل عمله، يأخذ نقوده القليلة ويذهب للسوق، ويشتري بها الغذاء لأسرته، وبالكاد تسد النقود متطلباته الشخصية ومع ذلك كان يصل للبيت سالباً، مرتاحاً، يضحك، وحين تجتمع أسرته على الغداء يتضاحكون والسعادة تطل عليهم كانت حكمته على الدوام نقول: (لو لم أجد من ملك الله ملكاً، الله سيفرجها، والله ما ينسى أحداً أبداً.
أما جاره التاجر الغني، فعلى قدر غناه، ونعمه الكثيرة، على قدر ما كان رجلاً هرماً، فعند وصوله إلى البيت، يكون وجهه عابساً، متجهماً، يجتمع مع أسرته على الغداء بشكل سريع، بعدما يجلس وحده قلقاً يحسب (أصلاع في افراص) لا ينبس ببنت شفه، ويتحول إلى مجنون، وهو يقلب يديه ويحدث نفسه.
وكانت زوجته ترى جارتها زوجة المفلق مبتهجة برغم فقرها وضنك عيشها، فتضيق من تصرفات زوجها ومعاملته لها، ولافراد الأسرة، فتقول له: (صل على النبي يا زوجي، سل على نفسك، وعلينا، يطل جثان فأنت طول عمرك متجهم لاتتبادل معنا الأحاديث، ولا السمرات، انظر إلى جارنا المفلق وزوجته وأولاده إنهم يعيشون أحسن منا ألف مرة، برغم فقرهم وعوزهم، سعداء حتى لو لم يلاقوا حق الغداء أو حتى إن ناموا بدون عشاء).
كان التاجر يضجر من حيث زوجته اليومي عن المفلق وأسرته السعيدة فقال لنفسه: (لابد من فكرة، تجعل المفلق ينشغل ويترك زوجته وأولاده، حتى تتركني هذه الزوجة اللعينة في حالي... لكن كيف؟ كيف.. وظل يفكر حتى اهتدى إلى فكرة، فذهب إلى المفلق وقال له: يا صاحبي!! قلبي عليك، وأنا أراك تتعب، وتكد في تفليق الحطب.. شقاك لا يكفيك ولا يكفي أسرتك، فمتى سترتاح، فما تقوم به عذاب.. أنه انتحار أيها الجار الطيب. فقال المفلق: أمر الله، فماذا أفعل، إني لا أجيد عملاً غير تفليق الحطب، هذا ما تعلمته في حياتي، ولا أتقن أي عمل غيره، ثم إن كل عمل وراءه تعب يا جاري العزيز.
قال التاجر: ما دمت جاري، وعزيزاً عليَّ جداً، ما أريك أن أعطيك نقوداً، وتعمل بالتجارة، فلا يوجد عمل أبرك من التجارة، فالتجارة عمل قليل، لكن تجلب نقوداً كثيرة. صدّق المفلق فقبل عرض جاره وأخذ النقود وبدأ يشتغل في التجارة، فانشغل بتجارته، وبدأ ينجح، ويغنى من تجارته، وقليلاً قليلاً أصبح المفلق قلقاً، فعند عودته إلى البيت يبدأ بالصراخ والزعيق على زوجته وأولاده، ليجلس بعدها يجمع «أصلاع في أقراص»، وضاعت الراحة والسعادة التي كان يتمتع بها المفلق وأسرته. جلست زوجة المفلق تفكر ثم قالت لزوجها: صحيح أننا اغتنينا، صارت معنا نقود كثيرة، ولكن لسنا سعداء ومرت الأيام وزوجة التاجر الذي كان مفلقاً تزداد تعاسة، بل وكل أفراد العائلة تعساء متعبون مما يجري حتى إنها أصبحت تعيّره بالمفلق الذي كان مرتاح البال قبل التجارة وفي غناه أتعس أسرته، فلم يعد يهتم بزوجته ولا أولاده، ودائم التفكير والعصبية والقلق على الدوام. وظلت الزوجة تفكر بعمل شيء ما يرجع أسرتها إلى ما كانت عليه، فجاءت وقالت له بهدوء: إقلع عن هذه التجارة اللعينة، نحن نريدك كما كنت سابقاً تحبنا ونحبك، نفرح عندما نجتمع على مائدة الأكل، نضحك ونتسامر، منذ دخلت في التجارة ضاعت سعادتنا، وحياتنا أصبحت شقاء في شقاء.
رد المفلق قائلاً: أنت مجنونة، أنا أعمل لك وللجهال، ولو ارتحت قليلاً سأخسر التجارة وسنرجع إلى حالة الفقر والشقاء. ثم بدأ الصراخ بينهما طول اليوم والنهار والليل، وهكذا انتقلت الحالة التي كان يعيشها التاجر إلى بيت المفلق. وحين ضجرت الزوجة من عينة النكد اليومية، قررت أن يختار زوجها التجارة وإما أن يرجع مفلقاً كما كان أو الطلاق فكّر الزوج كثيراً، واستقر في الأخير على أن يرجع مفلقاً برغم التعب والشقاء والفقر ويبقى على أسرته فرجع إلى جاره التاجر، ليعيد إليه نقوده وبضاعته، ليعمل مفلقاً للحطب فارتاح هو وارتاحت زوجته وأولاده، وعاشوا في سعادة.
*****
رسوم
1 - حمزة عبدالقار 10 سنوات
2- أمل راتب 10 سنوات
3- هاني علي 11 سنة
4- يوسف إبراهيم 11 سنة
5 - أمجد رعد 10 سنوات
6 - عون سعد الدين 11 سنة
7- أسيل باطا 11 سنة