فَقَدَ الوسط الثقافي في يوم الأربعاء 15 جمادى الآخرة 1432هـ أحد رواد الصحافة والأدب والتاريخ الأديب (عبد الله بن محمد بن خميس)، مؤسس جريدة الجزيرة، أحد رواد الصحافة الذي نشر فيها أغلب كتاباته وأبحاثه، وهي الأكثر شهرة والأبرز امتداداً لمقالات تضمنت سلسلة في ثلاثة أجزاء بعنوان (من جهاد قلم)، وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته الأدبية؛ فنظم الشعر المقفى، واستهواه الشعر الشعبي (النبطي).
كما أثرى تاريخ الجزيرة العربية؛ فله أكثر من خمسة مصنفات: تاريخ اليمامة (سبعة أجزاء)، المجاز بين اليمامة والحجاز، على ربى اليمامة، الدرعية.. وهناك أربعة معاجم متخصصة في جغرافية الجزيرة العربية: معجم اليمامة (جزءان)، معجم جبال الجزيرة (خمسة أجزاء)، معجم أودية الجزيرة (جزءان)، معجم رمال الجزيرة.
تعرفت على الفقيد أول مرة من خلال برنامجه الإذاعي الناجح (من القائل؟)، الذي يجيب فيه عن أسئلة المستمعين حول قائل الأبيات والأمثال في التراث العربي والشعبي، الذي استمر لمدة ثلاثة أعوام (من عام 1402هـ - إلى عام 1405هـ)، ثم متابعتي لبعض ما يُنشر له من مقالات في الدوريات المحلية والعربية.
وازدادت معرفتي بالفقيد حينما طبعت أول كتاب لي في مطبعته القريبة من سكنه في أم الحمام بمدينة الرياض، التي تُعرف بمطابع الفرزدق، بعنوان (التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بين المملكة العربية السعودية والعالم الخارجي) أثناء إبرام عقد الطباعة، وقد قدمني (عمر الجمل) المشرف على مكتب المطابع في الملز، شارع جرير، وما إن أكمل اسمي الثلاثي حتى قال: هذا الشبل من ذلك الأسد، عمك الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار أديب وباحث ولغوي كبير، وأنا قرأت لك بعض مقالاتك السياسية والثقافية والاجتماعية في جريدة عمك (عكاظ)، كما قرأت لك بعض ما اطلعت عليه في جريدة الجزيرة في آراء وأفكار، وفي مجلة الحرس الوطني بعنوان (مراحل ميلاد المملكة العربية السعودية)، ووُفِّقت كل التوفيق في إبراز كل مرحلة على حدة، واستطعت أن تجعلني أعيش مراحل تكوين هذه البلاد في عهد مؤسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله - بأسلوب سلس ينم عن إلمالك باللغة العربية، مثل عمك - يرحمه الله -، وعنوان كتابك ينم عن أنه الأول في موضوعه في المكتبة السعودية، فسر على بركة الله، وبارك الله فيك، واعتبر مطابعي مطابعك، وأحضر ما عندك من أبحاث ودراسات، وما يهمك في تكلفتها، ستكون هي الأقل من السوق.
وأشار إلى المشرف بأن يعطيني سعراً أقل من المطابع؛ فشكرته على هذا الإطراء، وأظهرت اعتزازي به، وإن شاء الله تعالى سأطبع ما لدي من مخطوطات في مطابعه.
وبالفعل حققت أمنيته - يرحمه الله - بأن قدمت كتابي المخطوط الثاني بمجرد الانتهاء من طباعة كتابي الأول بعنوان (المملكة العربية السعودية وهيئة الأمم المتحدة)، ثم تلاه كتابي الثالث بعنوان (مواقف المملكة العربية السعودية من القضايا العالمية في هيئة الأمم المتحدة)، فكتابي الرابع بعنوان (بين عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة).
وعندما كنت أتردد على المطابع بين الحين والآخر أراه في غاية السعادة، ويبادرني بابتسامته المريحة، ويقول: أفرحتني كثيراً بأنك أخذت بما قلته لك، وأشعر بفخر بأن مؤلفاتك تطبع في مطابعك!
قلت: بارك الله فيكم - يا أبا محمد - إن المشرف الفني على المطابع لديكم (مصطفى الجمل) أبو عمر دمث الأخلاق، ولم يتركني أتجه إلى مطبعة أخرى، فكل ما أطلبه أجده نافذاً، ومن جانب المواعيد في التسليم دقيق.
قال: أشعرتني براحة، أرجوك أن تحضر كل ما لديك، وآخر ما تفكر فيه (الفلوس)!
شكرته على هذه الأريحية، واستمررت في طباعة ما كان في حوزتي - آنذاك - من مؤلفات، وهي سلسلة أجهزة هيئة الأمم المتحدة (سبعة أجزاء).
أسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد الغالي بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
صدق الله العظيم.
ص.ب 45032 جدة 21512
ناسوخ: 6780952 (02)