نحتفل اليوم بذكرى البيعة.. ما يدعوني إلى التفكير في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وكيف تكون إيجابية أو تنتهي سلبية.
في كتابه الشهير « الأمير» يرى ميكيافيلي أن الحاكم الناجح هو من يعرف كيف يستخدم أي وسيلة للوصول إلى أهدافه المختارة. أما في مثالياتنا الإسلامية فالحاكم الناجح هو من يستمد رؤيته ووجهته من إصراره على رضى الله عن قيامه بالمسؤولية قبل الاهتمام بمصالحه الشخصية أو إرضاء فئة مختارة تحت ضغوط رؤيتها لمصالحها الخاصة.
عبد الله بن عبد العزيز ليس ميكيافيلي الرؤية ولا هو أناني التوجه, بل رجل يجسد شفافية غير معهودة بين المسؤولين في العالم كله ويأبى التلون حسب الضغوط التي تمارس عليه داخليا وخارجيا. رجل مميز فعلا بتطابق أقواله وأفعاله ولذلك لم يفقد الناس الثقة بأنه يعني ما يقول فهو رجل له رؤية واضحة شفافة لا تتلون حسب التغيرات. ولذلك يستحق أن يكون شعورنا نحوه شفافا لا يتلون بالمصالح والأوضاع ووجهة التيار في الداخل أو الخارج.
ربما أهم وأعلى شهادة يحصل عليها قائد دولة أن يدعو له الناس صادقين ومن قلوبهم بالبقاء على رأسها ليستمر عهده وإثماراته. ولن أقول إن هناك أي عصر لا يحتوي سوى منجزات مفرحة الإيجابية.. ولكن هناك عهد نعيشه يتميز بأن الإيجابي فيه يقزم السلبي.
كل دولة تكونت كمجموع منظم سياسيا ومجتمعيا واقتصاديا ابتدأت بحلم لمشروع شامخ قد يتحقق, وقد لا يتحقق حسب همة الحالم به. وقد يدوم أو لا يدوم حسب قيام من يتولى مسؤولية قيادة المسيرة.
هناك قادة برؤية واضحة مخلصة للشعور بالمسؤولية العامة يبنون؛ وقادة تهدم أعمالهم الشخصية ما بناه الآخرون؛ وقادة تمثل أسماؤهم العصور السوداء التي تدفن فيها الأحلام؛ أو العصور الذهبية التي تسمح للناس أن يحققوا حلما جماعيا يسعد الجميع دون إقصائية أو تمييز. في مثل هذه الحالة الأخيرة دائما القائد الواعي هو من يجسد أحلام الناس.
لا ينجح في امتحان التاريخ من يعطون الأولوية في مسؤوليتهم لأنفسهم ومصالحهم الخاصة أو الفئوية، ويبقى في النهاية من يحترمون وعودهم للعامة ويحسنون القيام بالمسؤولية. وكم يحمل التاريخ أسماء دول بقيت في تدوينات المؤرخين مرتبطة بمن بنوها أو هدموها أو أوصلوها إلى الصدارة.
مشروع الدولة عندنا تحقق على يد الملك المؤسس طيب الله ثراه أما ديمومتها فمسؤولية كل قائد تلاه وسيتلوه. ونجاح كل قائد منهم في توليد مشاعر الولاء ارتبط بقربه أو بعده عن الإحساس باحتياجات المواطنين, ودقة اختياره للفريق الذي ينصحه في توضيح رؤيته لماهية مسؤوليته, والفريق الذي يعهد إليه بمسؤولية تجسيد رؤيته في مشاريع بناء الدولة وخدمة المواطن. بقاء القيادة في رضى المواطن.
القيادة علم ومهارة؛ وكسب القلوب والولاء موهبة ترتبط بوضوح المصداقية.
ومسيرة أبي متعب في عهده الزاهر أطاله الله تؤكد ذلك. ولذلك يستحق بجدارة صدق الولاء وأن نبادله شفافية المشاعر الإيجابية.
يمكنني أن أكتفي بقائمة تعدد فخر المنجزات والمشاريع التي تمت خلال السنوات التي تمثل هذا العهد ولكني أشعر أن ذلك لا يقدم صورة حقيقية لما أشعر به فعلا. ثمة شيء خاص في علاقتنا بأبي متعب أطال الله عمره.. الرجل الذي طالبنا جاداً أن لا ندعوه بلقب ملك الإنسانية، واعتذر بكل تواضع حين لم يستطع الوقوف ليسلم على مهنئيه بعودته سالما بعد عملية جراحية في الظهر؛ الرجل الذي قال ببساطة: «أطمئنكم.. أنا بخير». الرجل الذي لا ينكر مصداقية كلامه وتواضعه أحد ولا ينكر حكمته, وبعد نظره ورؤيته, وتقدمية فكره, ورغبته في التمسك بوجهة واضحة نحو المستقبل.. إلا كاره متحيز لمصالحه الأنانية لا يتقبل أن مصلحة الوطن فوق الجميع.
وليس هناك رجل مميز إلا وله كارهون ولكن من يحبونك يا أبا متعب يفوقونهم عدداً بمراحل لا تقاس. فاطمئن أنت معنا .. بخير.
أبارك لنا بك يا أبا متعب. اطمئن: الله راض عنك ونحن معك.. بخير.