|
الجزيرة - فيصل العواضي
اختتمت أمسيات الجنادرية الشعرية كما بدأت.. بدأت بالشعر وانتهت بالشعر.. بدأت بقمة شعرية عبدالرزاق عبدالواحد وانتهت بقمتين وإعلان التحدي لمن يقولون إن الشعر الفصيح فقد ألقه وبريقه. كان عشاق الشعر على موعد مع شاعرين في مسرح النادي الأدبي بالرياض هما محمد الشرفي من اليمن وأحمد بخيت من مصر. حيث كانت البداية شرفية بإمتياز اغترف فيها الشرفي من بحور شعره ما يروي ظمأ المتعطشين للحب والشعر هو الحب وترجمان الحب؛ وبدأ بقصيدة لها ثانية في محراب الحب (1) وفي محراب الحب (2) وهو الفارس في هذا الميدان فقد لقب بنزار قباني اليمن وإن كانت المقارنة لا تعنيه فهو له أسلوبه وله عالمه، كما كان لنزار عالمه.. لكن التشابه بين الاثنين هو تعبيرهما عن الحب ودقة تصوير أحاسيس العاشق والتجديد في مفردة الخطاب الشعري في حضرة الحبيبة.
صدح الشرفي بعدد من غزلياته في الجولة الأولى من الأمسية رغم أن عالمه الشعري مليئاً بكل المواضيع لكنه أفسح المجال لرفيق ليلته الشاعر أحمد بخيت القادم من ميدان التحرير ومن وهج الثورة في مصر يحمل سمرة الأرض في تقاسيم وجهه ويحمله أهرامات مصر على كتفيه دون أن تنوء بهما كتفاه.
لبى الشعراء رغبة جمهورهم في إلقاء ما طلبوه منهم لكن أحمد بخيت كان الاستثناء، فقد اعتذر عن إلقاء مقطوعات كتبها في ميدان التحرير لرهبة الموقف في نفسه رغم أنه تلاها ابتداء على الشاعر الجميل عبدالله الصيخان لحظات ولادتها لكنه عوضنا بالجميل الجميل من شعره وجعل الأكف تقاطعه تصفيقاً بين البيت والبيت والبيت والفينة والفينة.
تحدث عن مصر وحضاراتها معلناً باسمها أنها إذا وقفت غاضبة لابد أن توقف الدنيا ويكون لها شأن وهو ما تحقق في وقفة الخامس والعشرين من يناير وعلى الرغم أن القصيدة كتبت قبل عامين لكنها كانت تتنبأ بهبة وبغضبة وبوقفة للشعب المصري تحققت بالفعل وكان من أبرز من غنوا لها.
وعادت الجولة مرة أخرى للشاعر محمد الشرفي الذي خرج من نطاق الغزل إلى نطاق شعر الهم العام الذي تفنن الشعراء في تصوير واقعنا الأليم ونقده عبر قصائد أبرز من خلالها كل شاعر جزء من المشهد الذي ينام فيه العربي بلا خبز ولا غطاء ويمنع أحياناً حتى من مجرد الحلم أو التفكير بواقع أفضل لكن الشرفي وشيطان شعره الغزلي الجميل تمرد عليه وإعاده إلى حظيرة الغزل من جديد ومع قصيدة قل ما تشاء التي كانت ستغنيها الفنانة أم كلثوم لولا أن الأجل عاجلها قبل أن تغنيها واختتم بها الشرفي جولته الشعرية الثانية والأخيرة.
وعدنا إلى بخيت الذي أخذنا معه ألى رام الله في إطلالة على القدس من هناك هذه القصيدة التي تعددت فيها الحوارات والإيماءات لكن أبلغ هذه الحوارات وأوضحها كان مع اليهودي المحاصر بالخوف من داخله وكيف أن هذا اليهودي خان كل المراحل خان نوع وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وداوود وسليمان والمسيح وكيف أن محمد هو كل الحب وكل الحق وكل الهدى.
رغم أن قافية القيدة هائية مجزومة لكنها امتلات بالإيقاع الموسيقى وبجمال إلقاء أحمد بخيت الذي فرض على القاعة أن تهتف أن الشعر باق ويولد كل يوم.
لم يحرمنا أحمد بخيت من جمال غزلياته ومع معارضته للشاعر العربي مسكين الدارمي في قصيدة قل للمليحة في الخمار الأسود الهب الأكف تصفيقاً وألهب القلوب اشتياقاً لتنتهي الأمسية بتجدد روح المتابعة لعشاق الشعر العربي الأصيل مع موعد في نادي الرياض وتجدد مهرجان الجنادرية كل عام والأمة بخير.