في صباح الثلاثاء 10 - 4 - 1432هـ وصلتني رسالة جوال تحمل نبأ مفاجئا محزنا لي وللآلاف من أهل الدلم، إنه نبأ وفاة أستاذي الكريم عبد الرحمن العميري، حينها تذكرت هذه الأحاديث الشريفة التي تدعونا لحسن التعامل وحسن القدوة وحياة الصالحين.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا) رواه الترمذي. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) رواه أبو داوود. وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً) رواه الترمذي. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول : (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً) متفق عليه. وأنا أرجو أن يكون فقيدنا واحدا ممن ينال فضل ما ورد في هذه الأحاديث.
كانت أربع سنوات غالية قضيتها في مدرسة ابن عباس في مدينة الدلم قبل أكثر من ثلاثة عقود؛ كانت تلك السنوات الأربع كفيلة بمعرفة رجل كريم شهم من نوادر الرجال ذلك هو الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله العميري التميمي، فقد كان أستاذا ووكيلاً للمدرسة. وسعدت كغيري بالتعامل مع رجل تمتع بأخلاق حميدة، فقد كان دائم الصمت محباً للعمل، وكان شهما كريما ينفق نفقة من لا يخشى الفقر وكان قدوة في خفة النفس وحب خدمة الآخرين، عرفت ذلك في المدرسة وأعمق من ذلك في المنزل فقد كان جاراً لنا ونعم الجار؛ فقد كان بيته قريباً جداً من بيت والدي في الدلم وكان زوجته مثل أمي وبيته كبيتنا، فالكلفة مرفوعة، فقد خدمنا بسيارته قبل أن نشتري سيارة ووقف معنا في كل شيء، فقد كان يعامل والدي كأخ أكبر له ولربما عدَّه مثل والده، قلت: كان دائم الصمت فإذا وجد فرصة للعمل لا يفوتها لنفع القريب والبعيد، صادقاً في قوله وفعله، أميناً في عمله ناجحاً في إدارته يحبه كل من تعامل معه.. وحينما ولي إدارة عدد من المدارس كان المدرسون يتسابقون للانتقال لكل مدرسة يديرها فهو لكبيرهم أخ ولصغيرهم أب ولجاهلهم معلم ومؤدب قدوة. كان باراً بوالديه؛ فاسمه لا يفارق ألسنتهم.. حيث عمر والده وعاش - حفظه الله ومتعه متاع الصالحين - عمرا مديداً لازمه فيه عبد الرحمن منذ كان طفلاً وحتى وفاته، فسكن أبي فهد قريب من بيت والديه وتفانيه في خدمتهم وتلبية حوائجهم مثال يحتذى.
ولقد وهب الله أستاذي أبا فهد ذرية صالحة - إن شاء الله - من زوجتين كريمتين كانت علاقته بهم ذكوراً وإناثاً على أفضل وجه عرفته بلادنا. ومن كرم الله تعالى أن ترى الابن فترى فيه أخلاق والده، هدوء وصمت ولباقة وبر وصلة، وحينما مرت السنون وأردت تسجيل ابني الوليد في الابتدائية لم أجد أفضل من مدرسة أسامة بن زيد في الخرج، فتوجهت إليها ومعي ابني الوليد، وحينما دخلت المدرسة وجدت أبا فهد يرحب بي ترحيباً حاراً ولما علم أن معي ابني قال: ابنك ابني اتكل على الله فهو كأبنائي ولقد صدق والله، فقد عاش الوليد في تلك المدرسة حتى انتقل أستاذي منها وكان لشخصية أبي فهد أثر عميق في نفس ابني وحبه للدراسة ونجاحه فيها.
وفي صفحة أخرى من صفحات عبد الرحمن بن عبد الله العميري نجده جار المسجد فقد بنى بيته أمام المسجد واختار قربه، ويذكر إمام المسجد الشيخ سعود بن عبد العزيز السنبل أن أبا فهد كان يطيب المسجد ويعطره بالبخور وتولى قراءة الحديث في كل يوم، ولما علم بتعيين الشيخ سعود أراد أن يتولى القراءة عنه والشيخ سعود أحد تلاميذه، فرفض الشيخ وطلب من أبي فهد أن يواصل في اختيار وقراءة الحديث والمواعظ.
أما تواضع أستاذي فعجب من العجب، فإنك تدخل المجلس وهو فيه فلا تعرف أين يجلس وبم يتميز، وهو أكبر إخوته ورأس في الأسرة وأب وجد لكنه كان يتناسى ذلك كله فيعيش حياة فيها بساطة وتواضع ولين جانب. وعلاوة على ذلك كان زاهداًَ لم يحرص على الركض وراء شهوات الدنيا ومظاهرها وجمع حطامها. وكان في شبابه يحب البر ويخرج له كثيراً وبخاصة أن نزول الأمطار والربيع كان يشغل شهوراً قبل أكثر من أربعين سنة، وما أكثر ما رجع - رحمه الله - بعدد من (الضبان) وأعطانا بعضاً منها فلديه مهارة في صيدها وكانت كثيرة جداً آنذاك.
هذا بعض ما أسعف به الذهن من ذكريات ومعلومات عن أستاذي وحبيب قلبي أبي فهد عبد الرحمن العميري، وفي هذه اللحظات الحزينة التي أعقبت خروجي من المقبرة بعد وداع للفقيد أسأل الله تعالى أن يرفع درجته ويبدله داراً خير من داره وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وإلى أبنائه فهد وإبراهيم ومحمد وعبد الله أقدم خالص تعزيتي وأسأل الله أن يخلف والدهم صلاحاً وتقوى وبراً في عقبه، وأن ينفع والدهم بدعائهم وأخواتهم له وبرهم به بعد وفاته. وإلى إخوته سلمان وعبد العزيز وصالح وسعود وخالد أقدم تعزيتي غفر لأخيهم ومتع والدهم الشيخ عبد الله بالصحة والعافية وأعظم لهم وله الأجر والمثوبة.. لقد فقدت الدلم علماًَ بارزاً وشهماً كريماً ومربياً فاضلاً جعل الله في عقبه خيراً وجمعنا به في دار كرامته. ولقد ودع أستاذي الدنيا في مساء يوم الاثنين 9 من ربيع الآخر 1432هـ. وصلي عليه بعد صلاة العصر من يوم الثلاثاء في جامع الشيخ عبد العزيز بن باز في الدلم.
عبدالعزيز بن صالح العسكر -عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية