|
الجزيرة - سعود الشيباني :
أكّد عدد من المسؤولين والمختصين أنّ بيان وزارة الداخلية الذي صدر أمس الأول قد جاء ليؤكد على الدور الذي تقوم به الجهات الأمنية المنوط بها حفظ الأمن والحرص على سلامة الممتلكات من أي عبث بها، وهذه من الواجبات الأساسية للدولة وهو ما أكدته المادة السادسة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم والتي تقضي بأن توفر الدولة الأمن لمواطنيها ولجميع المقيمين على أراضيها.
ففي البداية تحدث عضو مجلس الشورى الدكتور فهد بن حمود العنزي قائلا: إن أمن هذه البلاد يبدو أكثر أهمية من أي مكان آخر على الكرة الأرضية. ولا مساومة أو مراهنة عليه فالمملكة هي حاضنة الحرمين الشريفين ومحط أنظار المسلمين ومأوى أفئدتهم. وهي أكبر بلد مصدر للطاقة وبها أطياف من مختلف الجاليات التي وجدت في المملكة البيئة المثالية للعمل والعبادة والوِفادة للحرمين الشريفين، مضيفا أن الأمن نعمة عظيمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، ولا يشك عاقل في أن هذا المكتسب العظيم والمتمثل بالأمن لم يأتِ إلا بعد عناء تمثل بالقضاء على التشرذم والتشتت الذي كانت تعيشه مجتمعات الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، مشيراً إلى أنّ كل ذي بصيرة يجب أن يعتبر مما يدور في محيطنا وما تعيشه مجتمعات انعدم فيها الأمن واستبيحت الحُرمات فقُتلت الأنفس وسُرقت الممتلكات وأصبح الجار لا يأمن جاره، وقال إنّ المسيرات والمظاهرات لم تجلب الأمن لتلك المجتمعات بل زادتها تشتتاً وطائفية وأصبحت المظاهرات وأعمال الشغب وسيلة للنهب والتخريب ومِعول هدم للمؤسسات القائمة، وحلت بدلاً عنها الفوضى، مؤكداً أن الآثار الاقتصادية التي تترتب عليها كبيرة جداً، فحينما ينعدم الأمن وتسود الفوضى سيتوقف العمل وستتضرر المؤسسات العاملة وتتوقف عن الإنتاج وستتعرض المؤسسات العامة والخاصة للنهب والتخريب ومن هذه المؤسسات ما هو مرتبط بتوفير احتياجات الناس اليومية من سلع وخدمات ضرورية، وسيترتب على ذلك أيضاً انتشار السرقات وهروب رؤوس الأموال للخارج سواء رؤوس الأموال الوطنية أو الأجنبية لتبحث عن المناخ الآمن. فالأمن سينعدم سواء أكان بمفهومة الضيق أو الواسع، كالأمن الاقتصادي والاجتماعي وما إلى ذلك من مفاهيم مرتبطة بالأمن والاستقرار. والأمر سيكون أكثر فداحة بالنسبة للمجتمعات التي تعتمد على مواردها من الخارج عن طريق الاستيراد ولا تستطيع الاعتماد ذاتياً في تدبير أمورها الغذائية والحياتية.
وقال الدكتور العنزي يجب أن نعتبر من هذه الفتن التي تحيط بنا ويجب أن نعلم أن الشعوب لا تستطيع أن تدبر أمورها إذا انعدم الأمن، فكثير من الدول ومنها ما هو قريب منا لديها موارد طبيعية كالبترول والزراعة والأيدي العاملة والثروات المتنوعة، ولكنها فقدت الأمن فأصبحت كل هذه الأمور لا تساوي شيئاً بسبب انعدام الأمن. مشيرا إلى إن ما يميزنا عن غيرنا هي ثقتنا في ولاة أمورنا ووقوفنا معهم في السراء والضراء. كما نتميز بإدراكنا لما يحيط بنا من فتن وإدراكنا لمخططات من يتربص بنا ولا يريد لنا خيراً. ونحن مجتمع يتمسك ولله الحمد بالشريعة الإسلامية التي تحث على الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، وهذا ما أكدته كذلك المادة الحادية عشرة من النظام الأساسي للحكم من أن المجتمع السعودي يقوم على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله، وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم، وعدم تفرقهم. وما أكدته كذلك المادة الثانية عشرة من أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفتنة والفرقة الانقسام. ولذلك فبيان وزارة الداخلية جاء ليؤكد على هذه المبادئ التي تضمنتها أحكام الشريعة الإسلامية ونص عليها النظام الأساسي للحكم والعمل بموجبها إن لزم الأمر. حفظ الله بلادنا من كل مكروه.
اما الخبير الاقتصادي والكاتب المعروف فضل بن سعد البوعينين فقال: إن الأزمات والاضطرابات، لا يتمخض عنهم إلا الفقر والعوز؛ فمهما كانت المبررات، فالأمن مقدم على الخوف والهلع؛ والاستقرار خير وأبقى من الفوضى وإلحاق الضرر بالأنفس والممتلكات. والمظاهرات والمسيرات ماهي إلا باب تلج منه الفوضى المُضرة بالمصالح، والتي تقود إلى التعدي على الأنفس والممتلكات، وسلب الأموال وإضاعة الحقوق. ولا يمكن للاقتصاد أن ينمو ويزدهر بمعزل عن الأمن، ولا يمكن للحياة أن تستقيم إذا ما خلت من الأمن والاستقرار؛ ومن خلال التجارب السابقة نجد أن المظاهرات والاعتصامات لم تأت على الأمة بخير، بل زادت من المشكلات الاقتصادية التي قيل إنها سبب لظهور التجمعات والاعتصامات. ففي تونس أدت المظاهرات إلى تعطيل المصالح، وانتهاك الأعراض والممتلكات، وتسببت في توقف الاقتصاد، وانقطاع مصدر الدخل لكثير من المواطنين، وبدلا من أن تحل مشكلة البطالة التي تحدث عنها المتجمهرون، تسببت أحداث تونس في فصل أكثر من عشرة آلاف موظف وموظفة بسبب الركود الاقتصادي، وحتى اليوم لا يبدو أن هناك حلولا جذرية لأزمات الاقتصاد في تونس.
مضيفا أن دولة مصر فقد خسرت حتى الآن أكثر من 50 مليار دولار؛ وخسائرها غير المنظورة أكبر مما يتوقع الجميع؛ قطاع السياحة هو أحد أكبر القطاعات أهمية لاقتصاد مصر، والأكثر خلقا للوظائف، وقد أصابه الشلل منذ نشوب الأزمة وحتى اليوم. تشير التقارير الأولية إلى مغادرة أكثر من مليون وخمسمائة سائح منذ نشوء الأزمة، ما يعني مزيدا من الخسائر المالية الحالية و المستقبلية. الأزمة أدت إلى خروج الاستثمارات من مصر وتوقف المستثمرين الأجانب عن تحويل أموالهم لها لأسباب أمنية؛ استمرار الأزمة أدى إلى مزيد من الفوضى، والهلع بين السياح والمستثمرين على حد سواء، وهو ما يزيد من مشكلة القطاع السياحي، وقطاعات الاستثمار المعتمدة على رأس المال الأجنبي. عمال البناء المصريون الذين غادروا القاهرة بسبب توقف أعمالهم، أشاروا إلى أن «ما تمر به البلاد هو البلاء بعينه»؛ مشكلة العمالة المصرية اعتمادها على العمل اليومي، وهو عمل غير مضمون يعتمد في الأساس على الطلب المتجدد الذي يعتمد على استمرارية حركة قطاعات الاقتصاد. أكثر من 12 مليون عامل مصري يعتمدون في دخلهم على الأجر اليومي، تضرروا من توقف عجلة الحياة في مصر.
وبين الخبير الاقتصادي البوعينين أن البحرين، فبسبب الاعتصامات والمظاهرات فقد توقفت عجلة الاقتصاد، وأصبحت الأسواق الرئيسة خالية من مرتاديها، أما الفنادق فقد وصلت نسبة الإشغال فيها إلى مستوى 10 في المائة فقط وهي مشكلة لم تواجهها الفنادق البحرينية من قبل. التقارير غير الرسمية تشير إلى أن خسارة الاقتصاد البحريني المباشرة بسبب الأحداث الأخيرة تصل إلى مستوى 30 مليون دينار يوميا (ثلاثمائة مليون ريال) وهو رقم ضخم بالنسبة لاقتصاد البحريني. أما الأضرار الأخرى، خاصة ما يتعلق بكونها مركزا ماليا عالميا، فهي كثيرة ولا شك البحرين مهددة بفقدان مركزها المالي، واستثمارات أجنبية لا حصر لها، والمتضررون هم المواطنون الذين سيتفاجؤون بحجم الكارثة بعد (خراب مالطة).
وعن ليبيا فقال الخبير فضل: تحولت المظاهرات إلى حرب حقيقية بين النظام، والمواطنين، وخسر بسببها الاقتصاد كل مكاسبة، بسببها توقف تصدير النفط الليبي، ويبدو أن حقول ومجمعات النفط باتت مهددة، إضافة إلى إمكانية تحول ما يحدث في ليبيا إلى حرب أهلية قد تحرق الأخضر واليابس.
واستطرد الخبير الاقتصادي فضل البوعينين قائلاً: مهما حسنت النوايا، ومهما كانت الأسباب المحركة للمظاهرات والاعتصامات، فالنتائج في الغالب تأتي مأساوية للمواطنين، وللاقتصاد بشكل عام. أكثر من 75 في المائة من المواطنين والمواطنات في السعودية يعتمدون في دخلهم على الأعمال الحكومية، وشركات القطاع الخاص، وأي إخلال بالأمن قد يؤدي إلى شل حركة قطاعي المال والأعمال ما يعني توقف دخل معظم الأسر السعودية، إضافة إلى تعطل الأنشطة التجارية، وربما أدى ذلك إلى حدوث شح في المواد الغذائية ما قد يقود إلى مشكلات أخرى. أكثر من 7 ملايين عامل أجنبي قد يجدون في الإخلال بالأمن طريقا للانفلات، وممارسة أمور لا يعلم بها إلا الله.
وكشف البوعينين ان الإخلال بالأمن، وإشاعة الهلع بين المواطنين والمقيمين، سيدفع كثير من المستثمرين الأجانب إلى مراجعة إستراتيجياتهم الاستثمارية، وقد يدفع بهم إلى الانسحاب ما يعني تقويض جميع الإصلاحات الاقتصادية التي ساعدت في جلب تلك الاستثمارات، وأسهمت في خلق الوظائف ودعم الاقتصاد.
مضيفا أن الأحداث الأخيرة في المنطقة أدت إلى خسارة السوق المالية أكثر من 15 في المائة خلال أيام معدودة؛ إذا ما انتقلت عدوى الإعتصامات والمظاهرات إلينا فالسوق مهددة بالإنهيار ولا شك، ما يعني خسائر فادحة لعموم المواطنين. أما مشروعات التنمية فهي مهددة بالتوقف لأسباب أمنية في حال المظاهرات، تطورها، فالعمالة الأجنبية، والشركات العالمية لن تبقى إذا ما تعرض أمنها للخطر، ولا شك أن فوضى المظاهرات والاعتصامات ستدفع الأمور الأمنية إلى مفترق الطرق.
وقال البوعينين الإخلال بالأمن، وإشاعة الفوضى في أكبر دولة منتجة للنفط قد يؤدي إلى إشاعة الهلع العالمي، وهذا ما تبحث عنه قوى الشر الخارجية التي تتحين فرص الفوضى لمحاولة إيجاد موطئ قدم لها في المملكة تحت ذريعة حماية منابع النفط، ما حدث في العراق هو الدرس الذي يجب على الجميع أخذ العبرة والعظة منه؛ دُمرت أركانه، وسلبت إرادته، وانتهكت حرماته، وسرقت ثرواته، وما زال حتى الآن يعاني من تدهور أوضاعه، وأوضاع شعبه المسكين.
باختصار شديد المظاهرات والاعتصامات لا يقودان إلا إلى الفوضى، وتدمير الاقتصاد، وتعطيل المصالح، وسرقة الأموال، وانتهاك الأعراض؛ ومن يعتقد أنه من خلال المظاهرات والاعتصامات سيحقق إصلاحا، فهو واهم، والدليل ما نراه في مصر، وليبيا، والعراق، والبحرين. مازالت الجماهير تتظاهر في مصر حتى اليوم، في الوقت الذي يزداد فيه الفقير فقرا، والجائع جوعا، ويموت المريض دون أن يجد مالا لشراء الدواء، أو مراجعة الطبيب، أو الحصول على سرير بسبب تعطل المصالح. أنصح الجميع بالبعد عن كل ما من شأنه تهديد الأمن والاستقرار، وأطالب الجهات الأمنية بالتعامل بحزم مع كل من يهدد أمن الوطن والمواطنين ويسعى للإضرار بالاقتصاد تنفيذا لأجندات خارجية على علاقة بإيران، أو بعض الدول الغربية الظالمة التي تسعى إلى تدمير الدول الخليجية بسواعد أبنائها وتحت ذريعة الإصلاح في الوقت الذي لا تتوانى فيه عن استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تطبيق العقوبات الدولية على إسرائيل. وأختم بقول الله سبحانه وتعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ).
وفي ذات السياق تحدث ل» الجزيرة « الدكتور علي بن حسن الزهراني استشاري نفسي بكلية الطب قائلا: حقيقة أن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام من حراك اجتماعي وثورات قد يحفز الكثير من أصحاب الشخصيات المضطربة وبالذات المضادة للمجتمع من أجل ممارسة هوايتها بالتكسير والتخريب وإظهار الفوضى، حيث إن هذا النوع من الشخصيات يمارس عدوانه بنوع من السعادة من أجل تنفيس إحباطاته الداخلية. مشيرا إلى أن هذا النوع من الشخصيات هم حقيقة من يتجرؤون بالخروج للمظاهرات والمصادمة مع رجال الأمن للمرة الأولى, وهنا أشدد على رجال الأمن بضرورة التعامل معهم بحزم بعيدا عن العنف «العلني» حتى لو ظهر رجال الأمن على أنهم هم الضحية، وتبريري في ذلك أن الصورة العنيفة التي تلتقطها وسائل الإعلام «وبالذات الفيس بوك» قد تحفز أصحاب الأجندات الخاصة والمحبطين والحاقدين والمتربصين وغيرهم من الفقراء والعاطلين والعاطفيين للحاق بهم ثم ما نلبث أن نجد أنفسنا أمام فوضى عارمة قد تأكل الأخضر واليابس.
وقال الدكتور الزهراني نصيحتي للمسئولين بالدولة بضرورة سد تلك الثغرات التي قد ينفذ من خلالها الحاقدون بخطوة استباقية بإصلاح اقتصادي واجتماعي وسياسي كما هو حاصل الآن من هذه المكارم الملكية، فمن الأفضل لنا الآن أن نكون قريبين من المواطنين بتلمس احتياجاتهم قبل أن يؤدي التأخير إلى تراكمات وإحباط جماعي يطول كل شرائح المجتمع، وعندها قد يصعب علينا لملمة الجراح.