عنوان هذا المقال ليس بدعاً من مقالات عدة، تناولت بعض القادة المنتسبين للعروبة والإسلام؛ وهم الذين ساموا شعوبهم، وحكموهم بالنار والحديد والعار، شعارهم قول فرعون لقومه (لا أريكم إلا ما أرى..)، كأسلوب للقيادة القمعية.
من قرأ التاريخ الإسلامي، لا شك أن عينه وقعت على نماذج سيئة، سلكت الأسلوب الفرعوني نفسه. لنتناول نموذجين؛ أحدهما في القرن الخامس الهجري والآخر في عصرنا الحالي؛ الأول رمي به في مزبلة التاريخ والآخر في الطريق وبئس المصير.
الحاكم بأمر الله العبيدي سادس خلفاء الدولة العبيدية، المسماة زوراً بالفاطمية المصاب بداء الجنون والعظمة، يقول فيه، شاعره ابن هانئ الأندلسي، في مطلع قصيدته التي تفوح كفراً وفسقاً ومجوناً:
(ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار!)
كان الحاكم بأمر الله، أسطورة في سفك الدماء وإرهاب الناس، وكانت له متناقضات وغرائب عجيبة، رفعه الدروز إلى درجة الألوهية، واعتبره قوم آخرون بأنه إمام المسلمين وخليفة رب العالمين، وهم الإسماعيلية الفاطميون، كان مريض العقل يأتي بأعمال مضحكة تدل على الجنون، ما يحدث منه تحت تأثير فكرة الألوهية، بدوافع تأليهه، هذا النمط من البشر، يتكرر حيناً بعد حين، شخصية الحاكم بأمر الله تتكرر في شخصية معمر القذافي (شبراً بشبر زنقة بزنقة!)، كان صدام حسين، لا يبتعد كثيراً عن هاتين الشخصيتين المريضتين، بثوراته الدموية؛ غير أنه كسب تعاطفاً، بسبب القضاء عليه بواسطة القوات الأمريكية، وثباته عند الإقدام به للمشنقة وتلفظه بالشهادة، كل ذلك للتاريخ، وإن لم يخفف عنه تهوره. أما معمر القذافي الذي حكم الشعب الليبي أكثر من أربعة عقود كلها تخلف وعار، وأجزم أنه يتقمص شخصية الحاكم بأمر الله، وهو لا يعدو كونه نسخة مستنسخة حديثة منه، ونحن لم يغب عن أذهاننا إعجابه بالدولة الفاطمية (العبيدية)، بدعوته المريضة بقيامها من جديد وإحياء تراثها المسيء للإسلام، وقد كتبت في صحيفة الجزيرة في العدد12613 الإربعاء23 ربيع الأول عام1428هـ مقالاً بعنوان (إليكم فاطمية القذافي!)، فندت فيه انتساب الدولة العبيدية، لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأسباب ذكرتها في حينه.
الحاكم بأمر الله ومعمر القذافي شخصيتان غريبتان جمعتا بين متناقضات عديدة، القاسم المشترك بينهما، حب التأليه والغدر، كجزء رئيس من شخصيتهما، مصاب كل واحد منهما بداء العظمة والجنون، والقذافي صورة حية بيننا اليوم، يتندر به الصغير قبل الكبير، هو من أعظم المهرجين، لا من أعظم الزعماء، هذا المعتوه مهووس بتضخيم الذات، منظر متناقض من الدرجة الأولى، صاحب ترهات وخرافات.