قال لي: حدثتْ بيني وبين صاحب لي جفوةٌ بسبب أمور مالية، وما كان لتلك الجفوة أن تحدث لولا إصغائي إلى طرفٍ ثالث أبدع في تشويه الصورة كما يبدع الشيطان نعوذ بالله منه في الوسوسة، وشحْن القلوب بما يغيّرها من البغضاء والحقد، وإني لأعترف أنني أخفقت - وأنا رجل متديّن - في التطبيق العملي لما أعرفه من أحكام الدين الإسلامي الحنيف في هذا الأمر، وما أحفظه من آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام التي تنهى عن التباغض والتحاسد، والأحقاد والضغائن، وتأمر بالتثبّت، والتأكّد، وتنهى عن الإصغاء إلى المغتاب والنمَّام، وتوجب على المسلم تقديم حسن الظن قبل سوئه، والتعامل بالإحسان مقابل الإساءة، والسماحة في البيع والشراء، والمقاضاة، كما تحرِّم عليه الخصومة المفرطة التي تجعل المسلم في صف المنافق الذي إذا خاصم فَجَر.
عشتُ سنواتٍ من الحقد الذي عذبني وأتعب قلبي، وشغل بالي، نحو ذلك الرجل الذي كنت أثق به كل الثقة، وما جرّبتُ عليه قبل التعامل المالي معه إلا كل خير، والذي آسفني أنني منذ أن فعلتْ النميمة فعلها في قلبي، لم أسمح لنفسي - وأنا في دائرة الحقد - أن أجلس مع صاحبي، وأناقشه فيما بلغني، وأستمع إلى قوله، ناسياً بسبب الحقد الأعمى أن الاستماع إليه كما استمعت إلى غيره هو عين العدل والإنصاف، بل كنت أتجاهل - كثيراً - بعض ما تحدِّثني به النفس اللوامة من أحاديث نفسية تذكرني بما أعرفه من صلاح صاحبي وأمانته، فلم أكن أسمح لهذا الجانب المضيء أن يأخذ مساحته من قلبي ومشاعري.
لقد نِلْتُ من صاحبي، وتكلمتُ - من وراء ظهره - فيه بكلام كثير لا يخرج بحالٍ من الأحوال عن دائرتين «الغيبة أو البهتان» والآن تكشف لي كذب ذلك الواشي النمّام، وبدأ النّدم يلتهم راحتي وهدوئي، فماذا أصنع؟
قلت له:
أنت تعرض الآن مشكلة اجتماعية خطيرة، يقع فيها كثير من الناس فيحدث من الحقد والخصام والبغضاء ما الله به عليم، لقد وقعتَ في حُفرة الحقد الملتهبة جزءاً من عمرك، واستسلمت لمن أوصانا ديننا أن نصدّه، ونردعه ولا نصغي إليه، ألا وهو «النمَّام» الذي يمشي بالنميمة بين الناس وهي كبيرة توعّد الله من وقع فيها وأصرّ عليها بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة. نعم - يا صاحبي - أعماك حقدك سنوات، ولو لم تَعُدْ إلى رشدك لقتلك حقدك وأرداك، فخسرت نفسك، وعصيت ربّك، وظَلَمْتَ صاحبك.
وأذكِّرك هنا بكلمة قالها الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - تكتب بماء الذهب على صفحة الأفق الشرقي، حيث قال: ما يزال المظلوم ينتصر لنفسه من الظالم بسبه وشتمه، واغتيابه والتشنيع عليه حتى يكون في مكانه من الظُّلم. وإنها لكلمة دقيقة في حالة الخصومة بين الناس. هذا في شأن من ظلمك، فكيف بك وأنتَ تؤكد أن صاحبك ثقة، وأنك لست متأكداً ممّا قاله النمّام عنه؟ وأنك قد أطلقت لنفسك الأمّارة بالسوء عنانها في الحقد على صاحبك والإساءة إليه؟
أنصحك بالإكثار من الاستغفار، وبصدق التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، وبطلب العفو من صاحبك بالطريقة التي تراها مناسبة.
وإذا كان صاحبك من أهل الخير والصلاح والقلوب السليمة النظيفة فسيبادرك بالعفو، بل ربّما أنه قد فاز بمرتبة العافين عن الناس المحسنين إليهم، وهي مرتبة عظيمة عند الله.
إنها دعوة إلى كل مسلم - ذكراً كان أم أنثى - أن يخرجوا من دوائر الحقد المظلمة الملتهبة، وأن يرفعوا لواء «القلوب النظيفة السليمة» التي لا تحمل حقداً، ولا تضمر غدراً وخيانة.
إشارة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.