لم تكن الثورة الإيرانية ثورة بمقياس محلي ذاتي كباقي الثورات في العالَم منذ أن عرف العالَم أول ثورة للعبيد في العهد الروماني (ثورة سبارتكوس)، وحتى ثورات العصر الراهن التي منها ثورة الشعب التونسي، ومن ثم ثورة الشعب المصري في ميدان التحرير التي انتهت بتخلي الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك عن السلطة.
لكن بالطبع كل تلك الثورات كانت أبعادها وأهدافها داخلية فيما عدا ثلاث ثورات: الثورة الفرنسية (1789م) التي هددت ومن ثم هزت أوروبا برمتها، والثورة البلشفيكية لعام 1917م التي حاولت نشر العقيدة الماركسية في العالم كله، وأخيراً الثورة الإيرانية لعام 1979 التي هددت بنشر ثورتها إلى الخليج أولاً ومن ثم ها هي تحاول تصديرها إلى العالمين العربي والإسلامي.
بمعنى أدق أن معظم الثورات في العالَم كانت ثورات محلية، ذات بُعد داخلي، وأهداف ذاتية بحتة، هدفها تغيير النظام السابق بنظام جديد لتصحيح الأوضاع والأحوال الداخلية لشعوب تلك المجتمعات التي تدهورت بفعل الفساد والظلم والاضطهاد والفقر والجهل؛ حيث تكون أكثر ملاءمة لمطالب الشعوب وتطلعاتها.
فالثورة الإيرانية لعام 1979م ثورة أهدافها ومقاييسها خارجية ذات بُعد إقليمي ومن ثم إسلامي عالمي، ومن الثورات التي تحرص على تصدير عقيدتها المذهبية إلى الخارج بأي وسيلة كانت، ومن الثورات التي تؤمن بضرورة هيمنة عرقيتها الفارسية على الأعراق الأخرى كافة.
لذا بدأ المخطط الفارسي التهيئة لتصدير مبادئ ومعتقدات الثورة الفارسية - الإيرانية منذ أن عززت ومن ثَمّ أحكمت القيادة الدينية - السياسية (ولاية الفقيه) قبضتها على الدولة الإيرانية، بل ولم يتوقف ذلك المخطط الجهنمي حتى إبان الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت نحو ثماني سنوات (1980 - 1988م).
نعم، لقد صعقت في عام 1990م (حينها كنتُ مبعوثاً إلى ماليزيا) عندما علمت أن إيران قدمت منذ بداية ثورتها حتى ذلك الوقت (بل وإلى العصر الراهن) مِنَحاً دراسية سنوية للطلاب الماليزيين، والإندونيسيين، وصلت إلى 500 منحة للماليزيين، وقُرابة الألف منحة للإندونيسيين للدراسة في الجامعات الإيرانية.
تأكدتُ من هذه الحقيقة من حواراتي مع زعامات دينية ماليزية من منطقة أو إقليم بينانج ومن العاصمة كوالالمبور.
الهدف الإيراني واضح جداً: نشر الثقافة الفارسية المذهبية في العالَم الإسلامي لأهداف لم تكن واضحة جداً في ذلك الوقت، لكنها اتضحت كلياً بشكل مخيف في الوقت الراهن بداية من الدور الإيراني - الفارسي في الباكستان، أفغانستان، العراق، لبنان، اليمن، فلسطين، بل وحتى السودان.
وتحت غطاء الصراع الإيراني - الغربي (تحديداً الأمريكي)، ومن خلال استمرار حالة الصراع العربي - الإسرائيلي المزمنة التي ما زالت تراوح مكانها، تحرك النظام الحاكم في إيران لاعتلاء موجات المشاعر العربية الشعبية الغاضبة المناهضة للغرب، والمعادية لإسرائيل، من خلال تأييدها المتأخر للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني؛ لتوسع من دوائر نفوذها الإقليمي في العراق عبر سوريا وإلى لبنان ومن ثم فلسطين.. الهدف أن تصبح المتحدث والممثل الرئيسي لكل مَنْ ينتمي إلى مذهبها الديني في العالَمْ العربي.
وبعد انهيار العراق في عام 2003م بسقوط نظام صدام حسين أدركت إيران أنها ضلع واحد في مثلث استقرار المنطقة الذي يبدأ بتركيا، ومصر، ومن ثم إيران.
ولكي تصبح إيران الفارسية المركز الرئيسي للتحكم والاستقطاب في المنطقة برمتها كان عليها أن تبقي الضلع التركي مُهمَّشاً خارج معادلة الاستقطاب الإقليمي، وهذا ما حدث بالفعل في ذلك الوقت بفعل التقارب التركي الإسرائيلي.
بيد أن تركيا التي غابت عن ساحات المنطقة وسياساتها وأحداثها الجِسام عادت مرة أخرى إلى أجواء المنطقة بعد سقوط النظام العراقي، وتحديداً بعد أحداث غزة، ومن ثم بُعَيْد حادثة اعتداء القوات الإسرائيلية على أسطول الحرية وقتلها تسعة مواطنين أتراك.
بيد أن العودة التركية إلى المنطقة لم تكن بالزخم والقوة ذاتيهما اللذين توازن فيهما الدور الإيراني.
لم يتبقَّ أمام إيران إلا الضلع المصري الذي بقي صامداً في وجه المطامع الفارسية إلى أن بدأت مصر تشهد اضطراباتها السياسية في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي ومن ثم تنحي الرئيس مبارك عن سدة الحُكْم.
هذا ما يُفسِّر تحديداً محاولة إيران من خلال خطبة القائد الأعلى للثورة الإيرانية والحاكم الفعلي للدولة الإيرانية (علي خامئني) التي أيَّد فيها الشباب المصري، مشيراً إلى أن ثورة الشباب المصري امتداد للثورة الإيرانية، في محاولة منه للتأثير في الثورة المصرية.
www.almantiq.org