سألتني أختي الصغرى (هناء) بمرارةٍ وحزن: هل أراك في يوم بعد هذا الغياب الطويل؟ فأجبتها ولواعج البين تفري كبدي قائلاً:
تسائلني الشقيقة عن فراقي
وهل بعد التفرق من تلاق؟
وتشكو البين من قلب كسير
وتوحي أنه مر المذاق
تُري كبداً محرقة وقلباً
رهين الحزن قد بلغ التراقي
وأحشاء مقطعة حنيناً
ودمعا يستهل من المآقي
تقول هلمّ يا هذا إلينا
فقد طال انتظاري واشتياقي
فراقك يا أخي صعب علينا
سقانا المر من كأس دهاق
فقلت وفي الحنايا فيض حزن
يعبر عن حنيني واعتلاقي
لكم عانيت يا أختاه قبلا
وعشت العمر بالهم التصاقي
غداة غدوت في بلدي غريباً
كأني فيه مشدود الوثاق
فكم من ليلة قد بت فيها
ألاقي من رفاقي ما ألاقي!
تتابعت الهموم بها ودلَّت
على ما في الضلوع من احتراق
وأضحى كل ما ألقاه فيها
يؤول إلى العداوة والشقاق
أُلام على التغرب غير أني
لأجل الوصل كم أرخي نطاقي
تُزاحمني المصائب قاهراتٍ
كأني والمصائب في سباق
هناء تمهلي فالفتح آتٍ
ورب الكون للأحياء باق
يعز علي أن أنأى ولكن
خشيت القوم أصحاب النفاق
حنانك كيف لا أنأى وكل
ولو طال الزمان إلى افتراق؟
ولن أنسى الفرات وشاطئيه
وجسر الدير أو تلك السواقي
يعللني اصطباحي منه شهداً
على مرِّ الحوادث واغتباقي
أأخت الروح مهما غبت عنكم
فللمولى غيابي وانطلاقي!
كمثل البدر إذ يبدو منيراً
ويدخل بعد ذلك في المحاق
وغادرت الديار ديار أهلي
إلى حيث الهدى أزجي نياقي
وما من عادتي هجران صحبٍ
لكم رغبوا إلى العليا لحاقي
ولا جاريت في خلقٍ دنيئاً
فأخرج فيه يوماً عن نطاقي
ولا هاجرت حباً في نوال
أؤمل في مفاتنه الرقاق
ولم أك ذلك اللاهي قديماً
ولا طلبُ المباهج من خلاقي
أغيب مخافة الواشين فينا
وأن الله يأمر بالفراق
لعلي أدرك الآمال أو أن
أشارك إخوتي وأرى رفاقي
وما نفع المعيشة في بلاد
بها الآلام تحكم بالخناق
غرائب من صنوف القهر قامت
تحاربنا على قدم وساق
ومعذرة إذا لم آت يوماً
فقد يكبو جوادي في السباق
فقلبانا وإن غابا طويلاً
يظلان السنين على وفاق
وإيماني بربي واعتقادي
بأحمد فيه للأخرى إباقي
هما كنزي على مر الليالي
وغيرهما وإن حسنوا بواق
على رغم التفرق سوف نبقى
نعيش العمر دوماً في اتفاق
حلفت برب أحمد والبرايا
إله الكون والسبع الطباق
لئن أضحت محلتنا بأرض
سرى منها النبي على براق
سنرجع والليالي شاهدات
على خيل مضمرة عتاق
ونجمع شملنا من بعد هجر
بأرض الشام أو أرض العراق
فلولا البين ما غنى غريب
ولا طمح المحب إلى العناق
لعل تغرُّب الأحباب يفضي
بهم بعد العذاب إلى انعِتاق
وما ضر الجسوم إذا تناءت
إذا الأرواح كانت في تلاقِ
شعر: د. حيدر مصطفى البدراني -(عضو رابطة الأدب الإسلامي)