حينما قرأت برنامج محاضرات معرض الكتاب القادم، شعرت أن ثمَّة اختلافا عن عناوين الدورتين السابقتين، بعدما تركَّزت على صناعة الكتاب ونشره وتوزيعه، وكل ما له علاقة بالكتاب ومشاكله، والقراءة وأزمتها الدائمة، وقد تحوَّلت المحاضرات بعد دورة معرض كتاب عاصفة، حاول المتطرفون خلالها إيقاف إحدى الندوات بالقوة، مما جعل المنظمين في الدورات التي تلت، يبحثون عن السلامة في موضوعات (لا تهش ولا تنش)، فانصرف روّاد المعرض إلى الكتب وما تجود به دور النشر العربية، وما يفلت من عين الرقيب، ويدّخرون غلة سنة كاملة، إلى درجة أنك ترى البعض يدفع أمامه عربتين مملوأتين بالكتب، وكما لو كان قد خرج من هايبرماركت مواد غذائية!.
من يعرف أزمة الكتاب في البلاد، ومن عاصر معاناة جلب كتب لا تتوافر في مكتباتنا المحلّية، لا يلوم هؤلاء الشرهين وهم يتخطفون الكتب كما لو كانوا يخطفون السلع الغذائية يوم الثلاثين من شعبان، لذلك لا غرابة أن يتهافت الناشرون العرب على حجز أجنحة معرض الكتاب بالرياض، ويتصارعون على الأمتار، فالأمر مغرٍ تمامًا لهم.
ولعل أمر الرقابة غريب ومسلٍّ، فأنت لا تعرف: لماذا يمنع هذا الكتاب دون الآخر، ولماذا توقف محاضرة دون أخرى؟ ولماذا تمنع مقالة دون الأخرى، هل هو اجتهاد الرقيب، هل هو خوفه أم حرصه؟ هل هي شجاعته أم تهوّره؟ هل هي اجتهاده وقياسه على موضوعات مشابهة؟ ولكن: هل تشابه الموضوعات يمنحها فرصة المنع والحجب أو الفسح؟ أم هو الأسلوب الذي يمرِّر كتاب دون آخر، ويحجب مقالة دون أخرى؟.
لعل السؤال الأهم، وهل هو الأسلوب وحده ما يسمح وما يمنع كتاب أو مقال دون غيره؟ أم أن الأمر يرتبط بالكاتب أحيانًا؟ وربما بالمطبوعة إذا كانت مقالة، فقد تمنع مقالة في مطبوعة ويسمح بنشرها في مطبوعة أخرى داخل بلد واحد، بل أحيانًا حتى في المطبوعة الواحدة يتفاوت الأمر بين كاتب وآخر، وربما حتى لدى الكاتب في وقتين مختلفين!.
إلى الحد الذي يجعل المقالة أو الكتاب تشبه مباراة كرة القدم، أليس المحلّلون الرياضيون يقولون لكل مباراة ظروفها؟ هو الأمر كذلك.. فلكل مقال أو كتاب ظروف نشره التي قد لا تتشابه مع أي ظروف أخرى.
أعود إلى الكتاب ومعرضه القادم، وندواته التي تحرّرت من موضوع صناعة الكتاب، وحاولت أن تستعيد مجدها القديم، حينما كان روّاد المعرض يتهافتون على الندوات، فهل الظروف تغيرت الآن؟ هل المتشدّدون انشغلوا عن الندوات والمحاضرات، وانهمكوا بملاحقة توظيف النساء وأحلام المستشفيات النسائية المغلقة والأسواق النسائية المغلقة، وربما معارض الكتب النسائية المغلقة، من يدري؟ أم أنهم تخفّفوا من تزمتهم وقمعهم للحوار، بل وخوفهم منهم، تمامًا كما هو خوفهم المزمن من الكتاب، الذي يجعلهم رقباء أكثر سلطة وسطوة من الرقيب الإعلامي الرسمي، فتجدهم يخترقون المعرض في يوم الافتتاح الرسمي، وأحيانًا قبل ذلك بيوم، فيأخذون جولة على العناوين، كي يكتبوا تقاريرهم واعتراضاتهم على عناوين الكتب المثيرة، أو الصادمة لثقافتهم الساكنة، ويجد بعض الناشرين العرب فرصة لإنشاء لعبة القط والفأر، بين القارئ والكتاب الممنوع، فالفأر أو الكتاب الممنوع سيتنفس تحت الطاولة، وسيباع بالسر لأنه ممنوع، وستطير مبيعاته والبحث عنه حتى لو كان بلا قيمة.