في عدد الجزيرة رقم 13977 تم نشر تغطية لتدشين سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط، والذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز، فقمت بزورة خاطفة لهذا المعرض، فلما دلفت لقاعة المعرض أحسست أني في حضرة الوزير ابن أبي هبيرة وشيخ الإسلام ابن تيمية والمرداوي صاحب الانصاف، فكانت زيارة أعلام أمناء قامت دارة الملك عبدالعزيز باستضافة شخوصهم والاحتفاء بمخطوطاتهم في حلقة من حلقات العناية بالثروة الفكرية للعلماء والمفكرين، ولقد طالعت مخطوطة (الاجتماع والافتراق في مسائل الإيمان والطلاق) لشيخ الإسلام ابن تيمية، فجذبتني هذه المخطوطة فكانت استفتاحاً مثيراً لرحلة الإبحار مع التاريخ، وهي من نفائس المكتبة الملكية للملك عبدالعزيز - يرحمه الله - وأجزم أن الملك - يرحمه الله - استحصلها حرصاً منه على دعم الحركة العلمية في تلك الفترة، وهذا ليس بمستغرب، فعندما أذن الله عزَّ وجلَّ لشمس هذه الدولة بالشروق، قام الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بطباعة مجموعة من نفائس الكتب الشرعية وأسهم في نشر التراث والتنوير وهو يخوض غمار معارك توحيد البلاد، ونجد ذلك جلياً عند تأمل تاريخ طباعة بعض الكتب، مثل كتاب (إرشاد الطالب إلى أهم المطالب) للشيخ سليمان بن سحمان، وكذلك روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة، وقبل ذلك كله مجموعة التوحيد (الطبعة الأولى) والتي قام بطباعتها في وقت مبكر بواسطة أحد وكلائه في الهند.

أخيراً أجد أنه من الضروري الإشارة إلى أن مثل هذه المخطوطة وأمثالها قد تغفو ولكن ولله الحمد قيض الله لها دارة الملك عبدالعزيز لتوقظها وتسائلها عن تاريخها فدارة الملك عبدالعزيز تقارع المستحيل لبث الروح في كل ما يمكن جمعه وتحقيقه من مخطوطات ووثائق، لهذا أتوجه لهم بالشكر مضاعفاً أحدهما نيابة عن الجمهور والآخر نيابة عن الباحثين والمختصين وقبل هذا وذاك نسأل الله أن يجعل هذا المعرض في ميزان حسنات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - والذي يعتني عناية تامة بتراث السلف الصالح أولئك العلماء الأخيار الذين خدموا الشريعة المطهرة وذادوا عن حياضها وأوضحوا مقاصدها وهذا من شأنه أن يرسخ العقيدة الصحيحة في النفوس الصافية المستشرفة لنور اليقين.

عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي -مدير دار النفائس والمخطوطات ببريدة -