يَوْمُ العيدِ جَلَسَ مُسْتَنِدَاً إِلَى جِذْعِ شَجَرة ؛ تَنَهّدَ بِصَوْتٍ مَسْمُوع ؛
رَفَعَ طَرْفَهُ فَرَأَى حَبْلاً مَمْتَدَّاً يَتَدَلَّى مِنْ بَيْنِ أَغْصَانِهَا
تَذَكَّرَ كَيْفَ كان يَشُدُّ هَذَا الحَبْلَ لِوَالِدِهِ حِيَنَ يَذْبَحُ أُضْحِيَتَهُ وَ يُعَلِّقُهَا
بِنَفْسِهِ وَ يرَفْعهَا بِهَذا الحَبْل .
لاَ زَالَتْ تِلْكَ الشَّجْرة العَجُوز التِي شَهِدَتْ مَعَنَا كُلَّ شَيءٍ
بِدَايةً بِمَرَضِ وَالِدي وَ نِهَايَةً بِوَفَاتِه .
هِيَ ذَاتُهَا اليّوْمَ تَشْهَدَ تَجَمُّعَنَا .
ويتَرَاكَضَ أَبْنَائي حَوْلَهَا
أشْعُرُ بالشُمُوخِ كُلَّمَا رَأَيتُهَا
حَتَّى أَنَّنِي عِنْدَمَا يُجافِي عَيْنِي الكَرَى وَ يَغْشَاهَا السُّهَاد
أخْرُجُ لَيْلاً لِأَبْكِي تَحْتَ جُذُورِهَا الطَانِبة فِي أَعْمَاقِ الأرضِ
وفُرُوعِهَا التِي تَصِلُ إِلَى عَنَانِ السَّمَاء .
انْتَبَهَ لِصَوتِ والِدتِهِ تِلْكَ المَرْأةُ التِي بَلَغَتْ مِنَ الكِبَرِ عِتِيَّا فَوَهنَ عَظْمُهَا وَ احْدَودَبَ ظَهرُهَا وَضَعُفَ سَمْعُهَا تَبْرِقُ عَيْنَاهَا
قَدْ اغَرَورَقَتْ دَمْعَاً
لَيَهِبَّ وَاقِفَاً مُقَبِّلاً جَبِينهَا وَيَدَهَا
وَهِيَ بِدَوْرِهَا تَحْتَضِنُهْ
لاَ يَعْلَمُ مَا سِرُّ هَذِهِ الدُّمُوع
وَبَعْدَ أَنْ هَدَأَتْ :
قَالَتْ بِصَوْتِهَا الضَّعِيفِ وَهَمْسِهَا الرَّقِيقِ :
أَيْ بُنَيَّ لَقَدْ كَبِرْتُ
وَآنَ الأوَانَ أَنْ أَهِبَ لَكَ هَذَا المَنْزِلَ الصَّغِيرَ الذِي وَرِثْتُهُ عَنْ وَالِدِكَ
لَكِنْ يَا وَالِدَتِي !!
قَفلت راجعة إلى حجرتها دون أن تنبس ببنت شفة
وَهَاهُو العِيدَ يَعُودُ دُونَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا
رُحْمَاكَ يَا رَب بِهَا
يَقْطَعُ تَفْكِيرَهُ سُقُوطُ وَرَقَة اصْفَر لَوْنُهَا عَلَى عَاتِقِهِ
يَأْخُذُهَا فَيُفَتتُهَا
قَائِلاً :
هَذَا هُو العُمرُ يَعْصِفُ بِنَا حَتَّى نَسْتَوفِي أَجَلَنَا فِي هَذِهِ الحَيَاةِ
وَتَمُرُّ الأَعْوَامُ فَيَمْرِضُ وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ الكَرْبُ فَيُوصِي أَبْنَاءهُ
إِنْ مُتُّ فَادْفِنُونِي تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ
فَقَدْ شَهِدَتْ مَعِي مَا لَمْ تَشْهَدُوه.