أين أذهب لأبكي من شدة قنوطي وسخطي حيال ما أراه في هذا المكان الضيق. هل تسمع السماء وهل يصغي العالم؟. إنهم يعرفون تماماً ما يحصل هنا، فأعداد القتلى والجرحى تتواتر إليهم في الغرب كل يوم عبر وكالات الأنباء وأجهزة الاستخبارات والبعثات الدبلوماسية عن أكثر الدول جبروتاً وسلطاناً. لكن ما من أحد يحاول كبح جماح الآلة الحربية لأنها لإسرائيل.
الأغنية:
يقولون لديهم أسلحة معاصرة كالجراح ومشارطه
لديهم أسلحة معاصرة لا تقتل الكثيرين
تستهدف فقط الأهداف العسكرية
قل لي إذن لماذا قصفوا سوق الخضار
لديهم أسلحة معاصرة تبرق مثل بروق ليلة رأس السنة
لديهم أسلحة معاصرة، يقولون ويريدوننا أن نصدق
يريدوننا أن نصدق أنه هدف عسكري
إنه هدف عسكري يدعى سوق الخضار
أنا أنظر إلى طوافاتهم المخاتلة ثم أسمع الصراخ
أسمع الصراخ العاري كأنه قادم من عصر الحجر
أشاهد صنادل الأطفال المتناثرة مصبوغة بالدماء
يقولون إنها أهداف عسكرية
أنت قل لي لماذا قصفوا سوق الخضار؟
انتهى..
الكلام الحزين أعلاه ثم القصيدة لم تخرج من قلب فلسطيني أو عربي ولا حتى من قلب إنسان مسلم. إنها من قلب جراح نرويجي مسيحي اسمه: مادس غيلبرت.
الرجل النبيل البروفسور مادس غيلبرت جراح نرويجي يترأس مركز الطوارئ الطبية في جامعة شمال النرويج، وأحد أبرز الجراحين الميدانيين في العالم. بالإضافة إلى ذلك فإنه واحد من أكثر الأطباء المهتمين بالقضايا الإنسانية وضحايا الحروب، ومنها قضية أو محنة سكان فلسطين الأصليين أو ما بقي منهم.
عمل مادس غيلبرت مع زميله جراح القلب إريك فوس في مستشفى الشفاء في مدينة غزة أيام قصفها بالفسفور والقنابل الانشطارية في عملية الرصاص المسكوب. كانا يجريان عشرين عملية جراحية يومياً ولكن ذلك لم يجعل عواطفهما الإنسانية تكتفي وتهدأ وترضى. بالإضافة إلى العمل الطبي المرهق كانا يصوران القتلى والجرحى الفلسطينيين ويسجلان صراخ الأطفال والعجائز كناشطين حقوقيين يدافعان عن المظلومين والمضطهدين ويبعثان بالمادة المجموعة إلى جمعيات حقوق الإنسان في أنحاء العالم وخصوصاً في بلدهما النرويج وفي العالم الغربي.
قناة فوكس نيوز، التي تتعامل معها بعض القنوات العربية الخليجية وصفت الدكتور غيلبرت أنه مجرد بوق دعائي للإرهاب ومنظمة حماس، لكنه لا يعبأ لذلك ويقول: أريد فقط أن أفضح بربرية إسرائيل وتواطؤ الغرب. هذان الإنسانان (بالمعنى الحقيقي للكلمة) أصدرا كتاباً بعنوان: عيون في غزة - باللغة النرويجية، ثم أصدرته بالإنجليزية دار كوارتت في بريطانيا.
إن التقدير والامتنان لهاتين الروحين الجميلتين غيلبرت وفوس يفرضان ليس أقل من اقتناء كتابهما وأغانيهما عن غزة وقراءتها والبكاء معهما على أطفال غزة الذين ماتوا وتناثرت صنادلهم في سوق الخضار. المطلوب فقط بعض البكاء معهما.. على الأقل، لأن الأكثر من ذلك تمنعه الحدود والاتفاقات الدولية حتى يأذن الله بغير ذلك.