حين يكون التفكير في الفئات الخاصة، في المجتمعات البشرية، فأوَّل ما يتبادر لي، التفكير في مدى وعي البيئة التربوية بهذه الفئات، بعد أن أصبحت ضمن برامج التأهيل والتدريب، وقد عملَ المختصون في شأنها التعليمي، والتربوي، وفي مجالات احتياجاتها الصحية والنفسية، ومن ضمنها الحماية الاجتماعية، بتأطير ما يمكن أن يعترض أفراد هذه الفئات من إيذاء، وعنف، وإهمال، بل يتعدى الإيذاء النفسي لها، إلى الإيذاء الجسدي بالتحرش والضرب، أو أي لون من ألوان ما يقف عليه المربون المقتربون من هذه الفئات، مما يندرج تحت مصطلح العنف,.. وأخذت المجتمعات البشرية تضعُ ضمن برامجها التعليمية، أعلى مستوى من البرمجة، والمنهجة، والتدريب، والتأهيل، والتطبيق، لتكوِّن عناصر فاعلة، مؤهلة علميا، ومعرفيا، لمواجهة حاجات هذا الفئات الخاصة، مما يحقق لها بيئات تعليمية، وتربوية, فاهمة، مستوعبة, متدربة، قادرة على بث معارفها في أوردة التعليم، والتربية، لتضخ فيها روح الحياة المطمئنة، وتمنحها الشعور النقي، بأهليتها في التعايش بعدالة، مع أفراد المجتمع من الأصحاء، وكان أن تطلَّب ذلك أن يمتد هذا الضخ لأوردة البيوت، للأمهات ممن لديهن أبناء من هذه الفئات الخاصة، بتوعيتهن كيفية المواجهة الصحيحية، والتعامل المقنن مع حاجاتهم الخاصة, وحيث لا يخفى، أن تطبيق برامج الدمج لهذه الفئات، في سير عملية التعليم في المدارس، قد أهّل الهيكلة التعليمية، والتربوية، لتوجد مختصات في المجال، وتسلمهن إدارة الشؤون التعليمية، والتأهيلية لهذه الفئات، داخل مدارج المدارس، والمعاهد التربوية، ومن ثم إسناد هذه المهمة إليهن، فقد أخذ هذا المجال وضعه المتقدم, وتطورت إداراته، ومشرفاته في وزارة التربية والتعليم، وأصبحنا نتذوَّق ثمارها.
ولقد سعدت أيما سعادة، وأنا أتلقى دعوة من طالبات الاحتياجات الخاصة من هذه الفئات، أذهلتني بطاقة الدعوة، إذ هي عبارة عن طبق خزفي صمم بطريقة فنية بديعة، رُسم ولِّون بشكل زخرفي جميل، مكتوبة فيه عبارات الدعوة بطريقة مبتكرة، فأعلم أنهن من قمن بإعداده وزخرفته وتلوينه، أي طالبات الفئة الخاصة، تحت إشراف معلماتهن، هذه الدعوة تحمل مضامين جهود متقدمة في الإحساس بهذه الفئات، جاءت في تخصيص ثلاثة أيام تحت شعار: «كلنا راع.. وكلنا مسؤول»، يبدأ هذا اليوم الاثنين، تضامنا مع اليوم العالمي للمعوقين، وهو برنامج أعدته وحدة التربية الخاصة بمكتب وسط، في إدارة تعليم منطقة الرياض للبنات, بالتعاون مع برنامج الأمان الأسري الوطني.
ما لفت نظري في البرنامج، هو أنه يهدف إلى توعية شاملة، تخضع لها العناصر المتفاعلة بمساس مع هذه الفئات، داخل المدارس، والبيوت، وأفراد هذه الفئات أنفسهن..، ولا يخفى دور التوعية، والإرشاد في الشأن البشري، وتحديدا حين تتحول المعارف والخبرات العلمية، في أطباق شهية، تقدم في جلسات مواجهة، ومكاشفة, وإصغاء وتمثيل، وتحذير، وتنبيه، ومناصحة، بحس كبير، واهتمام صادق, تحتاج إليها الأم التي لا تملك الخبرة، ولا الدربة النفسية، والتعاملية مع ابنتها من هذه الفئة، وإن كانت قد اكتسبت الخبرة في التعامل مع الأجهزة التي تستخدمها طفلتها، ذلك لأن هذه الفئات، لا تحتاج فقط إلى من يتعامل مع جهازها المساعد، بقدر ما تحتاج إلى من يتعامل مع حمايتها، نفسيا وجسديا، حيث تركز وحدة التربية الخاصة بمكتب وسط في برنامجها «كلنا راع وكلنا مسؤول»، إلى تقنين مفهوم الرعاية، والمسؤولية، بإزجاء تطبيقات وتدريبات نحو بلوغ الخبرة فيهما، وذلك بتوعية المعلمات، والإداريات، ومشرفات التربية الخاصة، في اليوم الأول من إقامة ورشات عمل هذا البرنامج، بأهمية التعامل مع مقدرات هذه الفئات، لمساعدتهن في تكوين الحصانة الذاتية عندهن، نحو أجسادهن عند تعرضهن لانتهاكات لا واعية، من أي شخص يعترضهن في البيت، أو الشارع، أو المدرسة، ليتجنبن التعرض لأي إيذاء مادي، أو معنوي، ثم لم يغفل البرنامج في يومه الثاني عن إخضاع أمهات الطالبات من هذه الفئات، للتوعية بأهمية رعاية، وحماية، وإقامة الحصانة لبناتهن من قبلهن، وأفراد الأسرة، ثم في تقوية قدرات بناتهن، للدفاع عن أنفسهن، أو التعبير عن ما يعترضهن,.. ويمتد البرنامج في شموله في يومه الثالث، ليخضع في ورشة توعية، وإرشاد، مباشر للفتيات أنفسهن من ذوات الفئات الخاصة، بهدف تدريبهن على أنفع الطرق، وأوضح الأساليب، للتعبير عما يواجههن من عنف ، لمواجهة هذه الاحتياجات بوعي ومقدرة وتمكن, لفتني في هذا البرنامج شعاره، وهو الرعاية، والمسؤولية، حيث ينبثقان عن منهج قويم، وأسلوب تربوي مكين، يجمع بين العقل الذي يمتلئ بالخبرات المعرفية، والعلمية لدى أفراد وحدة التربية الخاصة بمكتب وسط، وبين قلوب في صدورهن، تمتلئ بالإيمان، والإحساس الإنساني ,لا شك أنهن قد وجدن من يأخذ بهذا التوجه، في المشروع التربوي الإنساني, «كلنا راع..» نحو التنفيذ,.. لا شك أن إدارة الإشراف التربوي ومكتب التربية والتعليم وسط الرياض قد مدا يد التعاضد مع هذا المشروع، إذ في وجود مسؤول واع داعم، تتحقق المشاريع الناجحة، فالتضافر والدعم سمتا الوعي والعزيمة، وهما سلما النجاح.
كما لفتني في شمول البرنامج، عدم إغفاله ما تحتاج إليه كل واحدة، مسؤولة مباشرة، عن هؤلاء الفتيات، بما فيه أنفسهن, وأمهاتهن، ومعلماتهن, ومشرفاتهن، بل مديرات مدارسهن، ومن له مباشرة التعامل، والأداء معهن.
ومن ضمن شمولية هذا الجهد المتميز، وجود محاضرة للشيخ الدكتور الفاضل سلمان العودة، الذي بلا شك قدمها بأريحيته المعهودة، واحدة من مساهماته الفاعلة المؤثرة، إذ تعاون مشكورا بتسجيل مناصحته، وتوجيهه، في مشاركة قيمة داعمة للبرنامج، محققة لأهدافه، إذ يشير البرنامج إلى أنها ستقدم للحاضرات ضمن جدول اليوم الأول للبرنامج، يوجه فيها كلا من هؤلاء الفئات بدورهن، وفق ما تقتضيه شريعة الله تعالى في الأرض، من التكاتف والتعاضد، والإرشاد، والاحتواء لهذه الفئات، لجعلها تحيا في أمان نفسي اجتماعي ,وتتلقى معارفها، وتأهيلها للحياة في رضا، بعيدة عن الضرر، محفوظة من شر النفوس، مندمجة في المجتمع بلا خوف.
أحيي وحدة التربية الخاصة، بمكتب وسط بإدارة تعليم منطقة الرياض، فوالله، إن هذا البرنامج السنوي الذي ابتدأ على عاتقهن، لهو عمل مؤسساتي، يمكن أن يتطور، ويمتد، ويحتاج إلى من يعينهن، ليحقق أهدافا أكبر، وبجهود أوسع، كما أحيي إدارتهن لتشجيعها ودعمها، وأتوقع أن تسعى بهذا البرنامج لما هو أبعد، بوجود هذه العناصر في مكتبها، دعائي لهن بالأجر، ونفخر أن بين تربوياتنا، من لها مثل هذا التصميم، وتتمتع بهذا الوعي المعرفي، وتبذل له هذا الجهد النافع، بإذن الله تعالى.