أوضح الدكتور محمد بن عبدالعزيز العوهلي وكيل وزارة التعليم العالي للشؤون التعليمية أن واقعنا في المملكة العربية السعودية يمر بمراحل نمو مميزة، وتمر بتنميات غير مسبوقة ومن بينها التعليم العالي وما يلقاه التعليم العالي من دعم من القيادة الحكيمة دعماً إدارياً ومالياً جعل هذا الحراك وهذا الأمر من أولى الأولويات، حيث إن بلادنا بأطرافها وسكانها تمثل قارة بمساحة تقرب من ربع مساحة أوروبا وتعادل ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا.
وركز الدكتور العوهلي في محاضرة استضافها منتدى «العُمري» الثقافي مؤخراً في مستهل برامجه الثقافية العامة للعام الهجري الجديد 1432هـ في مقره بحي الفلاح شمال مدينة الرياض بعنوان: (التعليم العالي بين الجودة والإغراق)، وأدار اللقاء الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ركز على رصد مسيرة التعليم العالي في المملكة خلال عقد، ودراسة وتحليل التحديات التي واجهها قطاع التعليم العالي في هذه الفترة والإنجازات التي حققها، حيث تحرص المملكة العربية السعودية في خططها وتوجهاتها التنموية على بناء مجتمع المعرفة ودعم الاقتصاديات المبنية على إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها لمواكبة الاتجاهات العالمية المعاصرة في تطوير منظومة التعليم العالي في كافة المجالات.
واستعرض تطور مسيرة التعليم العالي في المملكة من خلال عرض المتغيرات العالمية، وتوصيف التحديات الإقليمية والعربية، ودراسة المتغيرات والتحديات الوطنية بحيث قدمت خلفية وصفية للمملكة من الناحية الجغرافية والسكانية وناقشت تأثير ذلك على الطلب على التعليم العالي والمتوافر، كما شرح سعادته للإستراتيجية التي استجابت بواسطتها الوزارة لهذه المتغيرات والتحديات، وذلك من خلال طرح مجموعة من الخطط والبرامج والمبادرات والمشروعات القصيرة المدى والبعيدة. وقد استطاعت الوزارة بهذه الخطط والمبادرات التغلب على هذه التحديات تدريجياً وتحويلها إلى برامج ومشروعات منتجة لتحقيق إنجازات على أصعدة ومحاور متعددة تبينها عدد من مؤشرات قياس الأداء لعمليات التطوير. وقُسمت إلى أربع محاور رئيسة.
وأوضح المتغيرات العالمية التي يواجهها قطاع التعليم العالي عالمياً، ومن أهمها: التحولات الكبرى للمجتمعات العالمية: من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي وصولاً إلى مجتمع المعرفة الذي يعنى بالتركيز على إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها في الأنشطة الإنتاجية والخدمية المختلفة، والتوجه العالمي نحو اقتصاد المعرفة، والمنافسة العالمية على جودة المخرجات، وتطور وسائل الاتصال المعاصر والتقدم المتسارع في عالم التقنية والتوجه الجارف نحو العولمة، وتنامي الطلب الاجتماعي على التعليم العالي، والحاجة لتعدد وتنوع مصادر التمويل، والتركيز على المواءمة مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز الجودة والتوسع في التعليم العالي الخاص.
وأبان الدكتور العوهلي أن التحديات التي يواجهها التعليم العالي العربي، ومن أهمها: ضعف البنية التحتية للتعليم العالي، والنمو السكاني المرتفع، وكون الشباب هم الفئة الأوسع في التركيبة السكانية، وأحادية الموارد الاقتصادية لبعض الدول العربية، والإسهام المحدود للقطاع الخاص في التعليم العالي، وارتفاع معدلات الأمية في القراءة والكتابة واستخدام التقنية، وضعف ارتباط البحث العلمي بالتنمية، والبيروقراطية والترهل الإداري.
وأشار إلى المتغيرات والتحديات الوطنية التي تقدم معلومات وصفية عن المملكة من الناحية الجغرافية والسكانية، ونسبة النمو السكاني، وتزايد الطلب على التعليم العالي، ونمو العرض والطلب (عدد خريجي المرحلة الثانوية والمقاعد المتاحة في مؤسسات التعليم الجامعي)، وما تتيحه مؤسسات التعليم الجامعي من مقاعد وفرص وبرامج، وقال: إن استجابة وزارة التعليم العالي للتحديات جاءت عن طريق عرض الإستراتيجية التي اتخذتها بالتنسيق والعمل مع الجامعات في الاستجابة أو التعامل مع المتغيرات والتحديات المختلفة، وما انبثق منها من برامج تطويرية داخل الوزارة وفي مؤسسات التعليم العالي الجامعية، والاستفادة من الفرص المتاحة وتخفيف الضغوطات، حيث تمت الإفادة من التجارب الدولية في تطوير منظومة التعليم العالي عبر مجموعة من البرامج والإجراءات، والخطط القصيرة المدى والطويلة.
ولخص المحاضر إستراتيجية التطوير من خلال مسارين، الأول: مسار قصير المدى: تم التركيز فيه على القضايا الإستراتيجية الملحة، مثل قضايا القبول والاستيعاب، والمواءمة مع سوق العمل، والثاني: مسار طويل المدى: تم فيه مواصلة الاهتمام بقضايا القبول والمواءمة، بالإضافة إلى القضايا الإستراتيجية الأخرى، مثل: تطوير عناصر البيئة الأكاديمية (البيئة التعليمية - عضو هيئة التدريس - الطالب - الخطط والبرامج التعليمية)، تطوير تعليم الفتاة الجامعي، تعزيز الجودة، برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، مشاريع الجامعات الجديدة، تعزيز التعليم العالي الأهلي، تطوير البحث العلمي، تحديث النظم واللوائح والاستفادة المُثلى من التقنية الإدارية في التعليم العالي (تحويل الوزارة والجامعات إلى بيئة ومؤسسات إلكترونية)، الشراكات العالمية والتعاون الدولي، الخطة الإستراتيجية للتعليم الجامعي في المملكة خلال 25 سنة، كما استعرضت مجموعة من المؤسسات والمراكز والهيئات التي انبثقت عن الإستراتيجية التطويرية إضافة إلى البرامج والمبادرات التي تم تنفيذها، مع ذكر مؤشرات قياس الأداء لفعالية هذه البرامج في تطوير منظومة التعليم العالي ورفع مستويات الجودة والتميز فيها.
واستعرض الدكتور محمد بن عبدالعزيز العوهلي وكيل وزارة التعليم العالي للشؤون التعليمية في سياق محاضرته أهم مؤشرات نتائج هذه الإستراتيجية التطويرية والتي تمثلت في زيادة فرص القبول والاستيعاب في مؤسسات التعليم الجامعي حتى بلغت نسبة 91% من إجمالي خريجي وخريجات المرحلة الثانوية لهذا العام 2010م، والتوسع في إنشاء عدد من الجامعات الحكومية حتى بلغت (24) جامعة تضم مختلف التخصصات العلمية والهندسية والتطبيقية والطبية والإدارية، والتوسع في التعليم العالي الأهلي، حيث بلغ عدد الجامعات الأهلية 7 جامعات أهلية، إضافة إلى 24 كلية أهلية، وجميع التخصصات فيها مرتبطة بسوق العمل واحتياجات التنمية بنسبة 100%، وابتعاث أكثر من ثمانين ألف طالب وطالبة في تخصصات ذات ارتباط وثيق بالاحتياجات التنموية وسوق العمل ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وإنشاء 15 مركزاً بحثياً متميزاً في مجالات إستراتيجية وذات أولوية للمملكة.
وبين أن وزارة التعليم العالي سوف تستمر في عملية التطوير الاستراتيجي والمؤسسي المنظم من خلال الاستمرار في التوسع في التعليم العالي ليغطي كافة مدن ومحافظات المملكة، ومواصلة العمل على بناء علاقة قوية مع قطاع المال والأعمال والمؤسسات العلمية والاجتماعية، والإفادة من توجهات العولمة الإيجابية المفيدة، مثل تعزيز مستوى الشفافية، والإدارة الحديثة، وتطوير مؤسسات التعليم العالي وبنيتها التحتية وفقاً لأحدث المعايير الدولية، ورفع مستوى الجودة والاهتمام بالنوعية من خلال ضمان جودة المدخلات، وتعزيز البحث والتطوير والتميز فيها، سواء في داخل الجامعة الواحدة أو عبر الجامعات، وجعل البحث العلمي مرتبطاً باحتياجات التنمية الوطنية ومتطلبات السوق، والاستمرار في عقد الشراكات والتحالفات مع مؤسسات التعليم العالي المتميزة عربياً وعالمياً.
وفي ختام المحاضرة، أفاد أن الوزارة أولت الجودة اهتماماً خاصاً، ووضعت نصب عينيها الجودة في كل مشروع تعليم عال جديد. فالحاجة الوطنية للكم لا يمكن أن يكون على حساب الكيف. فعملت على ضمان جودة مدخلات التعليم الجامعي عبر المركز الوطني للقياس، وتعميم السنة التحضيرية لإعداد المقبولين للدراسة الجامعية، والتأكيد من جاهزيتهم للتعليم الجامعي.
ومن جهة أخرى سعت الوزارة لضمان جودة مخرجات التعليم الجامعي والتحقق من جودة البرامج عبر الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، ودورها في الرقي بالجودة. كما تبنت الوزارة عدداً من المبادرات الوطنية لضمان الجودة ومنها: مشروع التخطيط الاستراتيجي، والمركز الوطني للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، ومشروع تنمية الإبداع والتميز لأعضاء هيئة التدريس، وشجعت مبادرات الجامعات للرقي بجودة مخرجاتها ومنها اعتماد البرامج من هيئات عالمية، واستحداث وكالات وعمادات للجودة، وتقديم البرامج التطويرية للأساتذة.