|
الجزيرة - ماجد التويجري - تصوير مشعل القدير :
التقى سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مع خطباء مدينة الرياض مساء السبت الماضي بقاعة الاجتماعات بفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالرياض، حيث ألقى سماحته محاضرة بعنوان: (واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية) بحضور فضيلة المدير العام لفرع الوزارة بالرياض الشيخ عبدالله بن مفلح آل مفلح.
وقد استهل سماحته المحاضرة بحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وعلى صحابته أجمعين وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وقال: أشكر الله قبل كل شيء على فضله وإنعامه ثم أشكره على هذا اللقاء المبارك معكم، أيها الإخوة لقاؤنا ليس مجرد إلقاء كلمة عليكم وحديث معكم ولكني أرجو أن يكون هذا اللقاء لقاء تعاون وبحث عما يرفع شأن هذا الجهاز ويسعد الأئمة والمؤذنين ويقوم الجميع بواجبهم، نرجو ألا ينفضّ اجتماعنا إلا بتدارس وطرح أي مشكلة تتعلق سواء كانت شرعية أو إدارية ومعنا الشيخ عبدالله آل مفلح وفقه الله مدير الفرع ولن يتوقف - إن شاء الله - في إيصال ما فيه الخير لمعالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ.
وأكد سماحته أن الواجب على الجميع التعاون والتناصح وتدارك الأخطاء وسعي كل منهم فيما يصلح أخاه وفيما يعينه على أداء واجبه، مبيناً أن المنبر شرف عظيم وفضل كبير صعده وعلاه سيد ولد آدم على الإطلاق محمد - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدا من الأنصار فاتخذه من طرباء الغابة منبر من ثلاث درجات كان يخطب عليه - صلى الله عليه وسلم - بينما كان يخطب على الجذع، فلما صنع المنبر حنّ الجذع الذي كان يجلس بجواره النبي حتى ضمّه، فقال لو تركته لسمعت حنّه إلى يوم القيامة كل هذا مما يدلك على شرف المنبر وفضل المنبر، وأن من أنيطت به مسؤولية المنبر فليحمد الله على هذه النعمة، وليعلم أنه أوهب لخير كثير ومُكّن من عمل فاضل، وشرف في الدنيا والآخرة مع حسن النية والقصد، قال الله - جل وعلا -: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74) سورة الفرقان.
واستطرد سماحته قائلاً: يا خطيب المسجد ما أعظم من شرف أن تصعد المنبر كل جمعة تستقبل المأمومين ويستقبلونك يصغون لما تقول، ويعون ما تقول، وينتفعون بما تقول، ويتأثرون بما تقول، وأنت قدوتهم، وأنت إمامهم، وأنت موجههم، وأنت معلمهم، وأنت مرشدهم، وأنت الهادي لهم إلى الخير بعد توفيق الله تعالى، وأنت الآخذ بناصيتهم لما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، مبيناً سماحته أن هذه الوظيفة وظيفة شريفه، ومنزلتك منزلة عظيمة لو تدبرتها وتعقلتها لعلمت شرفها وفضلها.
ومضى سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يقول: إن هذا المنبر صعده محمد بن عبدالله، وصعده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وخيار الأمة من أئمة المسلمين وقادتهم إلى هذا اليوم، وهو منبر شريف ومهنة عظيمة لو تدبرها الإنسان حق التدبر لحمد الله آناء الليل وأطرافا عليها، وشكر الله عليها، وعلم أنها نعمة ساقها الله إليه، لأنك تدعو إلى الله ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبع بدعوته إلى يوم القيامة فافرح بهذه النعمة، واشكر الله عليها، وكن شاكرا لله ذاكرا، ومثنيا على الله بما هو أهله أن وفقك لهذا العمل العظيم، وجعلك من أئمة المسلمين ممن يقتدى بهم وملزما بالحق والاستماع لقولك، وحُرّم عليهم الكلام؛ ليصغوا إلى قولك، وإلى توجيهك، وإلى نصيحتك، وإلى ما تأمرهم به، وإلى ما تنهاهم عنه، فما أعظمها من نعمة، وما أجلّه من شرف لمن تدبر وتعقل.
وقال سماحة مفتى عام المملكة: إن الجوامع كانت قليلة في هذه البلاد التي ترونها منذ خمسين سنة لم يكن فيه إلا عدة جوامع نحصيها بأيدينا والآن كما يقولون ما يزيد على ألف وسبعمائة جامع هذه من نعم الله على المسلمين، ومن فضل الله على المسلمين تعاد الجمع بعد الإفتاء، ما يمضي شهر إلا وأقل ما نصدره ما بين عشرة إلى عشرين جامعا في أنحاء المملكة، وهذا من نعم الله على المسلمين وحرصهم الأكيد على الجمعة، ورغبتهم فيها، وتنافسهم عليها وكل الهجر والقرى، والكل يبحث عن جامع، والكل يحرص أن تقام الجمعة عنده، وهذه من نعم الله على المسلمين وجود الجوامع وخطبائها، كما أن من نعم الله أنك إذا استمعت للمؤذن لصلاة الفجر في وقت الهدوء وسمعت أصوات المؤذنين ثم أصوات القراء، حمدت الله على هذه النعمة وعرفت أنها من فضل الله على المسلمين أن يعلو صوت الحق، وأن تقول الحق وإذا شئت يوم الجمعة والمسلمون يأمون المساجد والمساجد تمتلئ لا سيما في الرياض والجوامع معظمها ممتلئ، بل يصلون خارج البناء كل هذه من نعم الله وفضله على المسلمين أن أيقظ قلوبهم، وأحيا ضمائرهم، وجعلهم يحرصون على الخير ويهدون إليه.
وتناول سماحة مفتى عام المملكة - في سياق محاضرته - مسألة كيفية معالجة الخطيب قضية الإرهاب، وكيف يعالج الأمن الفكري وكيف يتحدث عن ذلك، قائلاً: إن الجمعة تجمع الجميع، وإن الهدف من الخطبة هو الإصلاح والاستصلاح، الهدف والغاية من الخطبة أن يكون الخطيب يؤدي غرضاً، ويحقق هدفاً، وينصح ويزيل منكراً، ويعلي حقاً، ويدعو إلى معروف، وينهى عن منكر، ويحبب الناس في الإسلام ويحبب الخير والأعمال الصالحة، ويحذرهم من الشر والفساد.
وفي السياق نفسه، قال سماحته: نحن في هذا الزمن بُلينا بهذه التيارات المنجرفة هذه التيارات الضالة الهدامة التي أحيانا تلبس ثوب التقى والصلاح، والله أعلم بما في داخلها، والله يعلم المفسد من المصلح، لكنها تلبس رداء الخير وفي باطن أمرها شر وبلاء على الأمة، وتهديد لكيانها، واستباحة لدماء الأبرياء، وتدمير للمتلكات، وسعي في الأرض فساد، مشدداً سماحته على أن دين الإسلام الحق جرّم الإرهاب بكل صوره، وحرّمه على اختلاف جهاته، ذلك الإرهاب العدواني الظالم الذي حقيقته سفك دماء الأبرياء المسلمين بغير حق، أو المؤتمنين والمعاهدين بغير حق، والله يقول: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء، وفي الحديث: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، هذا البلاء العظيم كيف للخطيب أن يعالجه؟ لا شك أن العلاج إنما يكون بعد تصور أسبابه ودواعيه، فإذا نظرنا أولا إلى الغلو، فالغلو كما تعلمون لا أشكال عنده، إنه محرم في شريعة الله، وهو الزيادة في الأشياء، والخروج بها عن المنهج الشرعي والطغيان فيها، لأن الله تعالى يقول: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (112) سورة هود، والطغيان هو الغلو الشديد أي فََهم النصوص على غير مرادها، وتطبيقها على غير مدلولها، فلا شك أن الغلو قضية خطيرة يعالجها الخطيب بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويحذر من الغلو، ويدعو إلى الاتزان والوسطية، والاعتدال، وسلوك الطريق المستقيم، قال تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (6) سورة الفاتحة.
واستطرد سماحته قائلاً: فإذا نظرنا إلى الغلو جاء نظرنا أيضاً إلى ما في الشريعة من الرحمة والتسامح، وسلوك طريق الخير الذي يوصل الناس إلى النفع، ويتذكر أن دين الإسلام دين رحمة وإحسان، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) سورة الأنبياء، أنه رحمة للخلق كلهم المؤمنين به، والكافرين به، فالمؤمنون به رحمهم ربهم بأن هداهم للإسلام، ومكّن الإيمان في قلوبهم، قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (7) سورة الحجرات، ورحم من لم يؤمن به بأن حقن دمائهم، وحفظ أمولهم وأعراضهم، وعاشوا تحت ظل عدالة الإسلام في أمن واطمئنان لمّا التزموا عهود الإسلام وخضعوا لأحكامه.
وفي نفس السياق، يقول سماحته: ثم ينظر الخطيب أيضا إلى قضية أخرى أن من أسباب ذلك الخروج على أئمة الأمة، وخلع بيعتهم، واعتقاد بعضهم أنه لا بيعة في عنقه، وأنه غير مسؤول، وهذا خطأ، فإن الأمة المسلمة جميعها يدا واحدة قادتهم وكبراؤهم وعقلاؤهم يمثلونهم في كل الأمور، فبيعة الإمام بيعة ثابتة في أعناق الأمة يجب الوفاء بها حق الوفاء، ويحرم الإخلال بها، والانتقاص منها، والتشكيك فيها، لأن هذا يفتح على الناس أبواب الشر والبلاء على مصراعيه، ثم أيضا ننظر إلى أن هذا الإرهاب فيه شذوذ عن جماعة المسلمين وخروج عن جماعة المسلمين لأن هذه الفئات لا تكاد أن تعلم لها مصدرا معينا تأتيك بأساليب مختلفة، وطرق ملتوية، ويعبرون تارة بكذا، وتارة بالقاعدة، وتارة بالديموقراطية، وتارة، وتارة، واصطلاحات عظيمة، هي شاذة عن جماعة المسلمين ولشذوذها وخروجها عن المنهج تنوعت أسماؤها، وتنوعت صفاتها، ولها في كل يوم اسم وعنوان لم يكن في اليوم الماضي، وذلك لأنها شر وبلاء يراد بالأمة فلابد من فطنة وانتباه.
وأوضح سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن الخطيب إذا خطب وتحدث يوم جمعة ما عن وجوب طاعة ولي الأمر وساق الأدلة من كتاب الله في وجوب طاعة ولى الأمر: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء، وساق السنة في وجوب التزام البيعة، وأن من خرج على المسلمين وعلى إمامهم، وجب أن يقتل كائنا من كان، حتى يُحسم الشر، ولا يفتح للغوغاء وهذه الفتن، لأن الغوغاء لا تنفع، بل هي الضرر المحض، ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (وإذا وضع السيف على أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة)، وضع السيف على الأمة لما استباح الخوارج الظالمين المارقين دماء إمام وخليفة المسلمين خليفة رسول الله عثمان بن عفان استحلوا دمه ظلما وعدواناً، والله يعلم، والناس يعلمون أنه في زمنه اتقى خلق الله، وأصلح خلق الله، وخير خلق الله في زمنه لكن الأعداء تغاضوا عن فضائله وتناسوا فضائله وأعماله الطيبة، وحاولوا القدح في الخلافة بالقدح بالولاة، وانتشر خطباؤهم ودعاتهم يثيرون الحماس بأقوال باطلة، وأكاذيب مفتراة ضد هذا الخليفة الراشد العادل إلى أن أطبقوا عليه وسفكوا دمه ظلما وعدوانا وإجراما سفكوا دم إمام من أئمة الإسلام خليفة المسلمين الراشد بلا حق، بل ظلماً وعدواناً واعتداء دليل على فساد النية وفساد الطوية، وأن المنطلق لم يكن منطلقا إصلاحيا لكنه منطلق شر منطلق خبيث ضال.
وأبان سماحته – في السياق نفسه – أن الخطيب كونه يدعو الأمة لطاعة ولي الأمر وتبين فضائل ولاة الأمور، وأن الله - جل وعلا - يقيمهم شرعا، ويردع بهم الظلم يحفظ بهم الثغور، ويقيم الحدود وتأمن الأمة على دينها واقتصادها وخيرها، يأمن الناس على دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، ومحارمهم، ويعيشون حياة طيبة، فطاعة ولي الأمر سبب للخير كله وعصيانه والتمرد عليه - نسأل الله العافية - هو الذي يحيي البلاء الشر ولما وفّق الله قيادتنا على هذا الانتظام العظيم عشنا في هذه النعمة العظيمة نسال الله أن يفقهم جميعا لما يحب ويرضاه.
وفي ختام محاضرته، شكر سماحته المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وعلى رأسهم معالي وزيرها الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ على جهودهم في الدعوة إلى الله والعناية بكل ما يهم أمور الأئمة والخطباء، سائلاً الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لما يحبه ويرضاه، وأن يمنّ عليه بالصحة والعافية والسلامة، وأن يرجعه سالماً معافى.
بعد ذلك أجاب سماحته على استفسارات وأسئلة أئمة وخطباء جوامع الرياض.
وكان المدير العام لفرع الوزارة بمنطقة الرياض الشيخ عبدالله بن مفلح آل حامد قد ألقى كلمة في بداية لقاء سماحة المفتي بالخطباء رحب فيها باسم الوزارة ومنسوبيها بسماحة مفتى عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ لتفضله بتوجيه نصائحه وإرشاداته من خلال المحاضرة التي ألقاها بعنوان: (واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية)، مبيناً أن موضوع المحاضرة يعتبر من الموضوعات المهمة التي تحتاج إلى زيادة إسهامات الأئمة والخطباء في توجيه المواطنين والمقيمين لما يفيدهم ويسهم في جهود الدولة لبيان الحق ورد المشتبهات، وهو من واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية، ويقوم على ثلاثة عناصر هي: الأول بيان خطر الإرهاب الذي لمسنا آثاره السيئة على بلادنا وعقيدتنا، والثاني: يتعلق بالغلو والتنطع في الدين الذي نتج عنه البغي وإزهاق الأنفس المعصومة والإفساد التي أمر بها ديننا الحنيف، والعنصر الثالث: بيان خطر الانحرافات الفكرية التي سهلت لها وسائل الاتصال الحديثة الانتشار.
وأكد فضيلة الشيخ آل حامد أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وعلى رأسها معالي وزيرها الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حريصة كل الحرص على القيام بواجبها الدعوي المهم، حيث إن الخطباء لهم دور فاعل ومهم في توعية الناس وبيان ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم، سائلاً الله تعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما يحبه ويرضاه.