|
الجزيرة - عبدالله البراك:
تترقب أوساط المجتمع السعودي صدور الميزانية الحكومية للعام 2011 في وقت قريب جدا خصوصا انه لم يتبق على نهاية العام الحالي سوى 10 أيام وتنظر الأوساط الاقتصادية إلى أرقام الميزانية التي ستصدر بشيء كبير من التفاؤل، حيث يتوقع تحقيق فائض مالي نظرا لاستقرار أسعار النفط فوق 70 دولارا طيلة العام الحالي بخلاف ما ينتظر تحقيقه من معدلات نمو مرتبطة أيضاً بالإنفاق الحكومي الاستثماري الذي تبرز شواهده في كل مناطق المملكة.
وحول ملامح الميزانية القادمة واهم ما يمكن توقعه منها قال الخبير الاقتصادي محمد العنقري إن الميزانية القادمة يتوقع أن تكون مستمرة في إنفاقها الاستثماري، حيث يتوقع أن تحقق الميزانية الحالية فائضا يتراوح بين 30 إلى 50 مليار ريال وان تبلغ الإيرادات العام المالي الحالي بحدود 670 إلى 730 مليار ريال، فيما سيكون الإنفاق هو الأكبر بتاريخ ميزانيات المملكة بما يفوق 600مليار تقريبا.. وتوقع العنقري أن يبلغ الناتج المحلي 1550 إلى 1600مليار وقد نشهد ارتفاعا لنسبة القطاع الخاص بالناتج الوطني عن الناتج الحكومي، فيما يتوقع أن تكون الإيرادات للعام القادم تسير بنفس الزخم القوي. حيث تتوقع الكثير من بيوت المال ووكالات الطاقة العالمية أن تستقر أسعار النفط عند مستويات بين 90 إلى 100 دولار اغلب فترات العام القادم، مما يعني تحقيق إيرادات تصل إلى 800 مليار ريال وهذا سيكون مرهونا بمدى تماسك أسعار النفط واستقرارها، ويبقى العامل الحاسم في ذلك هو مدى تماسك الاقتصاد العالمي وتعزيز مستويات النمو فيه بخلاف أسعار صرف العملات، حيث إن انخفاض الدولار يسهم بارتفاع أسعار السلع ومنها النفط وتابع العنقري بأن الميزانية القادمة قد تكون انطلاقة بشكل موسع نحو جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتوطينها، كون الكثير من المشروعات أنجزت وكذلك هناك إنفاق ضخم خلال السنوات القادمة يستوعب أي استثمارات قادمة مما يعني أن الميزانية الحالية ستركز بشكل كبير على فتح فرص عمل كبيرة للمواطنين.
فيما رأى الدكتور زايد الحصان أستاذ المالية بجامعة الملك سعود بحديثه للجزيرة أن العنوان الذي تتطلبه المرحلة القادمة هو تعزيز الانتقال إلى مصافي الدول المتقدمة وقال: عندما قررت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وذلك في بداية الألفية الجديدة نقل الاقتصاد السعودي من اقتصاد ريعي يعتمد بالكامل على النفط إلى ما أصبح يعرف بالاقتصاد المبني على المعرفة من خلال «خلق» ما يسمى بالاقتصاد المعرفي كخطوة أولى وانتهاءً ب «تكوين» ما يعرف بمجتمع المعلومات كمرحلة أخيرة، لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تواصل الحكومة التزامها بالمضي قدماً في هذا الطريق الشائك والطويل على الرغم من الصعوبات الاقتصادية العالمية والإقليمية بفعل الأزمة المالية العالمية التي هوت بأكبر اقتصادات العالم وأدخلتها في نفق الكساد منذ أكثر من عامين مضيا، وتسببت في إفلاس الكثير من الكيانات الاقتصادية العملاقة، إلا أن إرادة خادم الحرمين الشريفين والتزامه الشخصي كانتا أقوى من تلك الصعوبات الاقتصادية وليثبت - حفظه الله - للعالم أن التخطيط المتوازن وبعد النظر مع الحنكة والحكمة في القيادة واتخاذ القرار كافية لتحقيق الأهداف الوطنية العليا. وفي ضوء ذلك ستحمل الميزانية الجديدة نفس التحديات وستواصل عملية تقديم الدعم المالي الكامل لتحقيق طموحات القيادة والرقي بالاقتصاد السعودي إلى مصاف الدول المتقدمة، كل ذلك سيكون في إطار منظومة الإنفاق الكبير التي أعلنتها المملكة منذ سنتين في اجتماع مجموعة دول العشرين التي سيتجاوز حجمها مبلغ 400 مليار دولار.
وعن الاستمرار في ضخ الأموال لمشروعات البنى التحتية يتم بشكل يتوازى فيه مع إمكانات الاقتصاد التشغيلية والحاجة الملحة لكل مشروع بوقتها المناسب أضاف أن المتابع للخطة الخمسية الثامنة (2005 - 2009) وما حققته من أهداف استراتيجية خلال فترة تنفيذها، يدرك أن الاقتصاد السعودي لا يزال يسير وبكل قوة في طريق التحول نحو الاقتصاد المبني على المعرفة مدعوما بالتزام حكومي لا حدود له، يتضح جليا من خلال تتبع تزايد معدلات النمو في مخصصات الإنفاق الاستثماري التي كانت تتزايد بمعدل سنوي تقريبي يعادل 38% خلال سنوات الخطة الخمس، وجاءت ميزانية العام 2010 كأولى سنوات الخطة الخمسية التاسعة الجديدة (2010 - 2014) لتعزز هذا التوجه وتخصص ما نسبته 48.2% من إجمالي الميزانية العامة على الإنفاق الاستثماري، وهو ما يعني أن الحكومة قد قامت بإنفاق ما يقارب من تريليون ريال خلال السنوات الخمس الماضية إضافة إلى العام 2010، وهو رقم كبير جداً في ظل تراجع أداء الكثير من الاقتصادات العالمية خلال السنتين الماضيتين.
وفي ضوء ذلك نتوقع أن تستمر ميزانية 2011 بنفس التوجه القوي وفقا لاستراتيجية الدولة طويلة الأجل (1425 - 1444)، وإذا ما علمنا أن القطاع الخاص السعودي لا يزال غير قادر على قيادة قطار التنمية الاقتصادية المحلية، فإن القطاع الحكومي ممثلا بالإنفاق الحكومي هو من يقوم بهذا الدور حاليا، وبالتالي تصبح عملية التوسع في الإنفاق الحكومي وضخ المزيد من الأموال في مشروعات البنية التحتية مطلب ملح وفي جميع القطاعات لكي تستطيع تلك القطاعات المساهمة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المحلية.
فيما رأى العنقري أن الحاجة أصبحت ملحة لتعزيز دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، حيث إن متطلبات التنمية الحالية والعصر الذهبي الذي يعيشه اقتصاد المملكة يعد فرصة عظيمة لتعزيز دور القطاع الخاص وتوسيع حجمه ودعمه، كونه سيكون مدعوما بقوة الطلب المحلي على المشروعات التنموية الكبيرة. ومن هنا فإن حل مشكلة عدم كفاية الإنتاج المحلي وقدرات المقاولين السعوديين بدعم كل التوجهات الرامية إلى إزالة كل العقبات التي من شأنها أن تعترض نمو حجم المشروعات الإنتاجية بالاقتصاد الوطني التي تعتمد على الكوادر البشرية الوطنية من خلال دعم تلك النوعية من المشروعات المهمة.
وحول تغيير طبيعة التعامل مع المشروعات في كل جهة وكذلك طرق متابعة التنفيذ لها أوضح الدكتور الحصان من المعروف أن الحاجة لمشروعات جديدة تنشأ في الأساس من قبل الجهات الحكومية المختلفة كل في مجاله، وتخضع الموافقة على قيام هذه المشروعات لاعتبارات حكومية تنظيمية وتمويلية معقدة وطويلة حرصا على تحقيق الأهداف الاقتصادية من إنشاء تلك المشروعات بحيث تتكامل مع غيرها من المشروعات في قطاعات الاقتصاد المختلفة وبما يكفل للدولة تحقيق أهدافها الاقتصادية الاستراتيجية طويلة المدى، ولا تستطيع الدولة في الوقت الحالي مراقبة تنفيذ جميع المشروعات الحكومية لكثرتها ولعدم وجود جهة معينة مهمتها مراقبة مراحل تنفيذ هذه المشروعات أو حتى معرفة المشروعات التي لم يتم تنفيذها على الرغم من اعتمادية تنفيذها وحجز مخصصاتها المالية، وبالتالي يصبح من الأجدى للاقتصاد المحلي وجود جهة معينة تكون مهمتها متابعة ومراقبة تنفيذ المشروعات الحكومية في مختلف القطاعات الاقتصادية؛ لإعطاء مزيد من الزخم والدعم والسرعة في التنفيذ والمحافظة على أموال الدولة وممتلكاتها، مما سينعكس بدرجة كبيرة على سرعة تطور الاقتصاد الوطني وتحقيقه لمعدلات نمو إيجابية تنعكس على تحقيق المزيد من الرفاهية الاقتصادية للمواطن.
وهنا رأى العنقري أن تطوير أدوات الرقابة والمتابعة لتنفيذ المشروعات ومدى أهميتها يتطلب المزيد من التقدم في الإدارات المعنية بالجهات الرسمية وكذلك المعايير التي تعتمد عليها خصوصا أن المسالة ترتبط أيضاً بعوامل عديدة منها ارتفاع تكاليف المشروعات نتيجة لأي توقعات بارتفاع التضخم سواء محليا من خلال الطلب الداخلي أو خارجيا من التأثير الذي قد يحدثه أي تراجع بأسعار الدولار وبالتالي ارتفاع تكاليف المواد والسلع المستوردة محليا، مما يعني ضرورة أن يكون هناك تدقيق أكثر بطرق احتساب الأسعار للمشروعات واعتماد مبدأ أكثر دقة في طريقة تحليل الأسعار حتى لا يكون هناك أي تعثر أو توقف من قبل المقاولين نتيجة لأي ارتفاع بأسعار المواد التي تدخل في احتياجات المشروعات.