هي المدينة التي تفوق توقعاتك كل مرة، هي التي تسافر عنها لتعود إليها مشتاقاً ووالهاً، هي المدينة التي يعقد زوارها العرب مقارنات مؤلمة بينها وبين مدنهم رغماً عنهم، إنها الدرس السهل الصعب، وهي التي أشعرت مراقبيها بأن التطور أقرب من التخلف، والإرادة ديدن النجاح التفوق، والثقة هي أن تعرف ما هي قدراتك وتسخرها لرؤيتك الكبرى وحلمك العظيم.
إنها ليست المدينة (الأحجية) إنها ببساطة شديدة مدينة العالم (دبي).
قبل فترة ليست بعيدة كنت في رحلة سياحية إلى «دبي».. التي أزورها فأجدها كل مرة أجمل وأشهى وأحدث، كأنها دائما المرة الأولى، بالدهشة نفسها، أحتار من أين أبدأ، أتلهف للغرق..
لاكتشاف جمالها وسبر أغوارها ومواكبة سرعتها. تفاجئنا بأحلام كبيرة، بمشاريع ضخمة، بناطحات سحاب أنيقة تشق السماء وتستفز ارتفاعها، بمزيد من التطور والتحضر.
تحاصرنا بدهشة لا تتوقف وأسئلة لا تنتهي، وتحرجنا بحسن ضيافتها، فمنذ لحظة وصولك إلى أرضها تجد ابتسامة تعلو وجوه العاملين في المطار، نظام مقدس وصارم لا يقبل الواسطة ولا يعرف ثقافة (تعرف أحد؟)!
تلتزم بالنظام فتعيش ملكاً، تركب السيارة فتجد عن جانبيك شوارع نظيفة وأنيقة، ومسطحات خضراء لامعة كأنها قُلمت ورشت بالماء للتو.. لك أنت وحدك!
هكذا أرى دبي، كل شيء فيها مختلف ومتألق، هي باعث قوي لشهية الحياة والمشاركة في الماراثون التنموي والحضاري فيها، هي التي احتكرت الوزن (أفعل).. إذ تجد فيها كل ما هو أكبر وأطول وأرقى وأجمل، ومؤخراً هي ال (أأمن). هي معجزة الرمال وحلم قادم الأجيال..
هي قصة جميلة فيها من الإرادة والعزيمة والطموح الشيء الكثير.. وهي حكاية أمل وحلم ورؤية قائدها وربان سفينتها، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي لم يتنبأ بمصيرها بل صنعه.
ولم يقرأ مستقبلها بل كتبه، وها هي اليوم كما أرادها الأولى، فهو من قال حين سئل لماذا تريد أن تكون دبي في المرتبة الأولى؟ فقال: لأن الناس لا يتذكرون سوى المرتبة الأولى، أما المراتب التالية فتنسى غالباً.
دبي، كما قال عنها الروائي السعودي «هاني نقشبندي» هي نيويورك، وهي دلهي.. هي باريس، وهي القاهرة..هي الرياض، وهي بيروت..دبي هي أنا وهي أنت.. دبي كما تراها، كما تريد أن تراها..
أجمل ما في دبي أن الجميع شريك في صناعتها، وللجميع حق المحاولة وأخذ الفرصة، شريطة أن تكون همتك ورؤيتك بحجم طموحها وبقوة إرادتها، ففي دبي لا مكان للكسل وتأجيل العمل والحلم.. فالأشياء من حولك ستسبقك.. ستدهشك بسرعتها المذهلة في التقدم..
كل يوم ستنبت عمارة جديدة بجانبك، كل ساعة هناك حدث يقام، كل دقيقة هناك أفكار مجنونة ستنفذ اليوم وليس غداً، فجدول هذه المدينة مزدحم على مدار العام؛ معارض، حفلات، مهرجانات، أمسيات فنية وثقافية، محاضرات ومؤتمرات.
واليوم دبي هي ظاهرة ينظر لها العالم ومن سبقنا في الحضارة والتقدم بعين الإعجاب والاهتمام والاحترام، اسأل عنها الأمريكي والألماني والفرنسي والتركي والبريطاني والياباني سترى الإعجاب والانبهار يلمع في عينيه .. الأنموذج الذي أتحدث عنه ليس فقط في المنجز السياحي أو العقاري (المادي) ولكنه أيضاً في المنهج الإداري وفي (العقلية الإدارية) التي جعلت صناعة القرار التنموي أولى من القرار السياسي مما أعطتها هذه المكانة الرفيعة التي جعلت الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث عن دبي في خطابه الشهير في القاهرة.
كم هم كثر أولئك الحساد وأعداء النجاح ممن راهنوا على استمرارية دبي وأكدوا أنها فقاعة لا أكثر، لكنها لم تلتفت للزعيق والنهيق ولم تقاطع إنجازاتها عندما كانت تتحدث عن نفسها، فأكدت للجميع بإنجازاتها لا بوعودها وخطاباتها، وبانفتاحها وتقبلها للآخر، مهما بدا مختلفاً، لا بانغلاقها أو تناقضها وادعاء خصوصيتها، إنها مدينة لا تزيدها الأيام إلا قوة وثقة وتألقاً وأثبتت أنها منظومة متكاملة من القيم والخدمات يشد بعضها بعضاً.
وكما قال الكاتب المتميز «محمد آل الشيخ» في إحدى مقالاته: (فتحت أبوابها دبي، في حين أغلق الآخرون أبوابهم. إغلاق الآخرين للأبواب كان -كما يقولون- للضرورات الأمنية، وفتحت أبوابها دبي وكان الانفتاح -كما يقول أهل دبي- للضرورات الحضارية، أما النتيجة النهائية كما تقول المحصلة فكانت: دبي الأكثر تقدماً وحضارة وأمناً واستقراراً، بينما النقيض فاز به أهل الانغلاق!).
أخيراً.. لا أنوي أن أختم مقالي بأسطر ناقدة ساخطة على واقع مدننا العربية المتأخرة، إنني فقط أستمتع الآن وأنا أضع الكلمات في مكانها الصحيح وأهدي الثناء والإعجاب إلى من يستحقه وإلى من هو أهل له إلى دبي الحلم ودبي الحقيقة إلى قائدها وعرابها إلى شعبها روحها ونبض أعماقها.
نبض الضمير: (لا نحقق الأعمال بالتمنيات، إنما بالإرادة نصنع المعجزات).