في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الأمة، فإن جزءا من مسؤولية المفتي، يكون في تلقف شبابها بصدر رحب، ويد حانية؛ ليرشدهم إلى الحق، ويدلهم على العلم النافع، والفهم السليم. ويربطهم بعلماء الأمة الكبار، من الذين أطبقت شهرتهم الآفاق، خاصة في المسائل المهمة.
وحتى لا ندعهم صيدا سهلا، لكل من لا يصلح لهم، ممن يتعسف بسوء الرأي، وضعف التدبير.
حينئذ سيكون حقا على هؤلاء الشباب، أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع القضايا عن آراءهم.
ورحم الله محمد بن سيرين، عندما قال: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم». ذا لم يكن غريبا، أن يشدد المفتي قبل أيام، على الاهتمام بالناشئة والشباب واحتوائهم، وتربيتهم تربية إسلامية سليمة، وتحصين أفكارهم ضد المفاهيم المنحرفة، والاهتمام بمناهج التعليم في جميع المراحل الدراسية، بحيث تكون سليمة مما يتعارض مع تعاليم الإسلام السمحة.
والاهتمام ببناء عقول الطلاب والطالبات، بناء سليما مستمدا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وربطهم بحلقات تحفيظ القرآن، ومجالس العلم والعلماء الموثوقين، حتى لا يقعوا في أوحال التطرف والغلو.
يعطي الواقع صورة يمكن التعبير عنها، بأن شبابا طلبوا العلم على أنفسهم، بعد أن زهدوا بعلمائهم، وتنقصوهم، وثلبوهم. واعتدوا بآرائهم دون الرجوع إلى العلماء الربانيين، وتصدروا المجالس. بل تجرؤا على كبار العلماء، وخرجوا على طريقتهم المستقاة من الكتاب والسنة والأثر، فالتبست عليهم المثبطات الشيطانية، وتعجلوا في استعمال العنف، وخرجوا إلى حال الفوضى والاضطراب، بلا تبصر صحيح، ولا نظر واع. فأدى ذلك إلى اختلاط شبهاتهم بالدين، وأصبح هذا المزيج عقيدة. وهذه النتيجة هي التي توقعها الإمام الشافعي رحمه الله فقال: «من كان شيخه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه».
إن رواحل العلماء الربانيين، هم الذين يعرفون الأحكام العملية الشرعية، المستقاة من مصادر التشريع الإسلامي، والمتعلقة بالأحكام الشرعية، وبأفعال المكلفين؛ من أجل رعاية المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.
وساحتنا بحمد الله لا تخلوا منهم، فهم الذين يضبطون الفكر، والتصور، والسلوك.
وهم الذين يتصدرون للفتوى والاجتهاد.
ولا يعني هذا تقديسهم، بل تقديرهم، واحترامهم، والتصدر عنهم.
إنه لا اجتماع لأمة على الحق، إلا بالرجوع إلى العلماء الربانيين. فهم منارات هدى يقتدى بهم، ويلتف حولهم، ويقبل عليهم.
وهم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
وما أجمل قولا سمعته عن ابن مسعود رضي الله عنه: «ولا يزال الناس بخير، ما أخذوا العلم عن أكابرهم وأمنائهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم، هلكوا».