عزيزي المسافر: هل شعرت ذات يوم أن حقيبتك قد نفذ صبرها وتريد الهروب منك إلى الأبد؟ وهل راودك الشعور أن أغراضك المصفوفة في حقيبتك تريد اللجوء إلى غيرك؟ وهل تخيلت كيف يمكن لحقيبتك أن تطلب الحرية وتتجول من مطار إلى آخر ومن غرفة شنط مفقودة إلى أخرى، هل فكرت أنها تريد المغامرة لتكتشف الحياة وحدها؟ وهل تخيلت ملابسك وأحذيتك وعطورك وهي مع شخص آخر؟ وهل توقعت أنك ستسافر في العشر من ذي الحجة وستصوم العشر ورائحة القهوة العربية تملأ أنفك فتحمل في حقيبتك كيساً صغيراً به قليل من القهوة المحموسة وبعض الهيل فتصوم وتأكل تمراً بلا قهوة؟
إن أردت أن تخوض هذه التجربة فلا تفكر كثيراً، اذهب إلى أقرب مكتب سياحي، واحجز تذكرة على إحدى شركات الطيران، وستُعطي حقيبتك مرادها، لأنها ستذهب عنك بلا عودة، وستقضي رحلتك بمشوار يومي إلى مطار البلد الذي أنت فيه، وستحتاج إلى إذن من الأمن لتدخل كل يوم تبحث عن حقيبتك، هنا لا تقلق فبعد يومين أو ثلاثة سيحفظ شكلك رجال أمن المطار والموظفون وحتى الحقائب المفقودة في الغرفة «إياها» وستضيع عليك ثلاثة أرباع الرحلة في مشوار يومي إلى المطار. وهنا أنصحك بأن لا تكون من الأشخاص الذين يحركهم الأمل فتبيت وتصحو وأنت تتخيل حقيبتك في حضنك، افقد الأمل واذهب فوراً إلى السوق لتشتري ما يعوضك عنها، وادع للمغفور لها -بإذن الله- بالرحمة، أيضا حينما تصل إلى المطار لا تُتعب نفسك بعمل محضر بلاغ عن الحقيبة، إذ إن وقتك سيضيع كما أنك ستجد الكاونتر مليئاً بالناس الذين هبطت بهم بعض الطائرات دون حقائب. وحينما تعود لا تفكر أبداً بالاتصال في مكتب «شركة للطيران» فلن تجد إلا صوتاً ناعماً يجيب (الجميع خارج الخدمة)، ردد معي (الله يعوضني خير!).
عزيزي المسافر: هل لديك أم أو أب لا يستطيع المشي إلا بمقعد متحرك، وتذكرت فجأة أن أحدهم كان يضربك وأنت طفل وتريد أن تمارس ضده شيئاً من العقوق، لا تفكر كثيراً، ولا تُتعب حبالك الصوتية بالصراخ والتفنن في أشكال العقوق، كل ما عليك أن تذهب إلى أقرب مكتب سياحي، واحجز له تذكرة على إحدى شركات الطيران إلى أي بلد يحبه، لأنه في النهاية سيكرهه، وستنتقم منه شر انتقام، وسيكون مصيرك نار جهنم بإذن الله. أما إن كنت «رضي والدين» وأبلغتهم أثناء الحجز أن والدتك أو والدك لا يستطيع المشي إلا بمقعد متحرك، ومن الطبيعي أن يتم حجز مقعد له في الصف الأول لأن المقعد المتحرك لا يمكنه الدخول بالمسار الضيق للطائرة، فلا تتوتر، فكر كيف ستحمله إلى ذيل الطائرة، وإن كان ذا وزن زائد - الله يعينك - هنا عليك الاستعانة بصديق أو بونش، لأنك ستجد في الصف الأول المتعافين الذين كل واحد منهم «يمشي على زنده التيس» وتذكر أن المقعد المتحرك الخاص بوالدتك أو والدك والذي جلبته معك حتى يجلس عليه ويوسع صدره سيصل مكسوراً، أيضاً لا تتوقع أنك حينما قمت بعمل الحجز أن هناك من سيحترم هذا الشخص الذي لا يستطيع المشي، (انسَ الموضوع)، دبّر نفسك وقل (الله يعوضني خير!)
عزيزي المسافر: إن كنت قد فكرت بالسفر على إحدى شركات الطيران لتبتعد عن غثاء «الخطوط السعودية»، فأقول لك: خلك على قردك لا يجيك أقرد منه!
www.salmogren.net