حينما قالوا لك سمو الوزير قبل عام ونصف «الله يعينك» فقد كانوا صادقين تماماً، لأنك حملت حقيبة وزارية ثقيلة، مليئة بالمشاكل والفوضى والعبث، فكيف لك أن تنظّف هذه الوزارة وتطهّر مشاكلها؟ أكاد أجزم أنك ووزارتك لكي تنفذ خططها تحتاج إلى عشرات السنين!
لكن ما أثار شجوني هو توصية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بالاهتمام بالسعوديات في مجال رياض الأطفال وتوفير الوظائف التعليمية لهن، بقدر ما أسعدني ذلك، إلا أن ذلك الخبر الجميل جعلني أسحب آهة طويلة جداً، وأنا أتذكّر حكاية صغيرة محزنة، وربما مسلّية للقراء، سأسردها لك سمو الوزير، ولتعتبرها حكاية واقعية حدثت لي أو ربما لغيري، فقد نصحت زوجتي قبل ستة عشر عاماً بأن تتخصص بمجال جديد آنذاك، ضمن تخصصات كلية إعداد معلمات الابتدائي، وهو تخصص رياض الأطفال، وقد سبقتهم جامعة الملك سعود ببضع سنوات في طرح هذا المجال المهم والمؤثر في تشكيل المجتمعات، نصحتها وقد كنت على ثقة أن هذا المجال سيكون هو مستقبل البلاد، وقد بدأت تنتشر بعض مدارس رياض الأطفال الحكومية. بعد أربع سنوات من الدراسة والتفوّق، كانت اللحظة الجميلة في التطبيق في إحدى هذه المدارس النموذجية في سكن الخارجية، رغم أن الصدمة كانت أن المدرسات المعتمدات التي جرى تثبيتهن في هذه المدارس هن من تخصصات الدراسات الإسلامية والتاريخ والثانوية العامة، فقل لي بربك سمو الوزير، ماذا تتوقع من المخرجات التعليمية في هذه الرياض، ومن مدرسات غير متخصصات لا يميزن بين مفهوم دراسات الأركان والحلقات وبين دراسة الكتاتيب؟.
تخيّل سمو الوزير.. زوجتي أو زوجة جاري أو غيرهن من خريجات ثلاث عشرة دفعة من رياض الأطفال أجبرتهن ظروف البطالة بأن يلتحقن بتعليم الكبيرات، فلا فرق يا سمو الوزير في بلادنا بين الكبيرات والأطفال، ف(كله عند العرب صابون!) وكله عند السعوديين تدريس والسلام!
بقيت زوجتي وزميلاتها يوقعن العقود المذلّة، ولا بد أنك تعرف سمو الوزير نمط عقود محو الأمية، أو لنسمها محو (الإنسانية) لأن ما فيها من شروط مؤذية جعلت كثيرا من هؤلاء المدرسات يفقدن وظائفهن لأنه لم يعد هناك حاجة، فالكبيرات بحمد الله تعلمن الحروف الأبجدية والعلوم والرياضيات، وعلينا أن نحوّل مدرسات الكبيرات إلى الأطفال، لأنهن معلمات بنظام «الملتي سيستم» أي المتعدد الأنظمة، يمكن أن يعملن على أي نظام أو فئة، ولو احتجتم أن يعملن في مجال صعوبات التعلم فلا بأس، لأنهن معلمات جاهزات على خط جبهة التعليم!
أخيراً لا يمكن إلا أن نشيد بخطواتك المخلصة في التعليم، وثقتك في الآخرين، لكن معظم هؤلاء الآخرين لا يمكن تطويرهم، وليس الحس الوطني يا سمو الوزير يمكن أن يُشترى لهؤلاء، حتى ولو غسلتهم ألف مرة في نهر مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، فلن يتغيروا، فهم وحدهم من سيكسب في أي مشروع جديد، وتأكد أن قريباتهم حتى ولو كنَّ خريجات الكليات المتوسطة أو حتى الثانوية سيلتهمن فرص العمل في رياض الأطفال، ولن يتركن لخريجات هذه الأقسام، ولا لمن لديهن الخبرات، أي فرصة كريمة... سر سمو الوزير في طريق التطوير الرائع، وسننتظر معك عام 1444هـ كي تكتمل الاستراتيجيات الثماني التي وعدت بها، رغم أن ذلك الوقت - للأسف - ستكون زوجتي قد أحيلت إلى التقاعد لو افترضنا أنها كانت تعمل، لكن لا بأس، لأفكر في فرصة عمل لابنتي وصديقاتها خريجات رياض الأطفال أيضاً.