تبدو جميع الآلام التي تعترض الإنسان خلال حياته قابلة للتحمل والنسيان والتعايش وقد يبدأ الإنسان بعد أزماته بنفسية مختلفة دون ذكر لما مر به إلا من ومضات تأتي لتذهب سريعا.
لكن عندما تقترب هذه الذكريات الأليمة من أحد الوالدين تبدو أشد صعوبة لتحملها وأعمق ألما عند تذكرها وأكبر من نسيانها، وقد لمست هذا تحديدا لدى أهالي مرضى الزهايمر الذين ما إن يسردوا قصص إصابة أحد والديهم بهذا المرض إلا وتتداعى الذكريات الأليمة للذاكرة وتظهر نبرة الحزن واضحة على الصوت وتتحشرج الكلمات ببحة أقرب إلى البكاء عند تذكر مراحل وتفاصيل المرض وتزيد البحة عمقا عند سرد وقوفهم عاجزين عن تغيير الوضع إلى أفضل منه.
ما سمعت أحدا اقترب من مريض الزهايمر إلا ووصفه بالمرض الصعب والثقيل على النفس والأشد وقعا ليس على المريض كونه لا يعي فصوله لكنه على أهالي المرضى الذين يعيشون مر الفقد لوالديهم وهم أحياء.
وصفت إحدى أهالي المرضى إصابة والدتها بالكابوس وقالت إن والدتها التي كانت تملأ حياتهم حيوية ونشاطا هي نفسها التي أصبحت لا تعرفهم وتهرب من البيت الذي أسسته على الحب والحنان وهي نفسها التي كان هاتفها لا ينقطع من اتصالات محبيها ومجلسها لا يخلو من زائراتها أصبح الصمت ملازما لها رافضة زيارة أحد حتى أولادها وآل جسدها في مراحل المرض إلى عظم مكسو بالجلد.
حال مرضى الزهايمر يفسره القول المشهور بين غمضة عين والتفاتتها يغير الله من حال إلى حال فمن الشجاعة إلى الخوف ومن الفرحة إلى الحزن والاكتئاب ومن الذاكرة إلى النسيان ومن الصحة إلى الضعف ومن القوة إلى أرذل العمر.
وفي ظل قلة المتخصصين وغياب التشخيص الصحيح الذي قد يؤدي بالمريض إلى تدهور سريع في حالته لا نملك إلا الدعاء للمصابين والوقوف إلى جانب أبنائهم والشد من أزرهم وتثقيف المجتمع بأهمية تفهم جوانب المرض والتعاطف معه ودعمه باليقين بإرادة الله التي قد تغير الحال إلى حال أحسن منه.