في موقع إلكتروني اسمه «International Living» يزيد متابعوه عن أربعمائة ألف قارئ، يختص بطرح المقترحات حول دول العالم، والأماكن المناسبة للعيش، خصوصاً لمن يخطط على التقاعد المبكّر، وقد أصدر قبل أيام نتيجة إحصائية حول أفضل الأماكن للعيش في العالم، اعتمد فيها على تسعة معايير بين الدول، وهي كلفة العيش، الترفيه والثقافة، الاقتصاد، البيئة، الحريّة، الصحة، البنية التحتية، المخاطرة والأمان، المناخ. وبالطبع كانت هذه النقاط لكل عنصر مأخوذة من مصادر رسمية، كالمواقع الحكومية للدول، والمنظمات الصحيّة، ومحررين من مختلف الدول تابعين للموقع. وقد كانت الدول العشر الأولى: فرنسا، أستراليا، سويسرا، ألمانيا، نيوزلندا، لوكسمبورغ، الولايات المتحدة الأمريكية، بلجيكا، كندا، وإيطاليا.
وقد جاءت تونس أولى الدول العربية في الترتيب 83 بينما كانت السعودية في المرتبة 169 بين 190 دولة، التي حصلت على متوسط نقاط قدره 45 نقطة.
والمدهش أن السعودية جاءت في مقياس الحرية بدرجة متساوية مع أفغانستان وزيمبابوي وتشاد بمقدار ثمان نقاط فقط من مائة نقطة، ولعل الأكثر دهشة أن من احتل الدرجة 170 في سلم الدول الأفضل للعيش هي دولة العراق، أي جاءت بعد السعودية مباشرة، رغم أنها حصلت على درجة صفر في معيار الأمان والمخاطرة!
وحين ننظر إلى نقاط البنية التحتية للبلد، وبرغم الخطط الخمسية المنجزة على مدى نصف قرن، حصلت السعودية على 28 نقطة فقط، بينما المناخ جاء بـ 22 نقطة فقط، وهي على كل حال أفضل من نقطتين للمناخ حصلت عليهما دولة عمان!
يبقى السؤال المهم: هل هذه الأرقام صحيحة نسبياً، هل هي منطقية فعلاً، وهل هي منحازة إلى الدول الغربية؟ فمن جهة أن تحصل السويد على صفر في معيار كلفة المعيشة نظراً لغلاء الحياة هناك نجد أنها منطقية، لكن أن تحصل السعودية على 36 نقطة فقط في الأمان يجعلنا نتوقف لوهلة، حتى لو وجدنا علامة الصفر تتباهى لدى دولة مضطربة أمنياً كالعراق!
قد يتساءل أحدنا، لِمَ وضع الحريات متأخر لدينا، في حين يرى الكثير ممن يعيش في الداخل أنها ليست أكثر سوءاً من دول الخليج أو الدول العربية الأخرى على سبيل المثال، لكن المشاهد الخارجي يرى أن حرمان المرأة من بعض حقوقها في السفر دون إذن، والسكن بمفردها، والعمل في مختلف المجالات، وقيادة السيارة و... و...إلخ، هي من سلب الحريات للإنسان بشكل عام.
وربما ستبقى مسألة الحريات لدينا متدنية، طالما أن وضع المرأة لا يتقدّم كثيراً، فرغم أن المجتمع الآن، لم يعد المجتمع ذاته قبل ثلاثين عاماً، مع انفتاحه الكبير على الخارج، سواء عبر أرقام سياحة السعوديين في الخارج، أو في أعداد الطلاب والطالبات الدارسين في الخارج، إلا أن مجرّد بادرة صغيرة هنا أو هناك، تحاول أن تنصف المرأة، تواجه من قبل تيار متشدّد، مصاب بالخوف من المرأة، يعلّق كل شيء بحجة التغريب، جاهز لإلقاء التهم ومحاكمة النوايا، وتخوين الآخرين الذين يحلمون ويأملون بالتقدم في جميع أوجه الحياة، في عالم لا يرحم من يقف جامداً ولا يضيف شيئاً، في عالم انتبه له قائد هذه البلاد الملك عبدالعزيز مبكراً حين طالب بتعديل شطر شعري، ليكون:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا