لا تزال السيدة السعودية المعتدية على مخدومتها الأندونيسية محور نمذجة التعامل الأسري مع المخدومين في مجتمعنا، حديثا يأخذ أبعاد جمعية لا فردية.. والحقيقة تؤطر هذه السيدة وأمثالها فتضعها ضمن الخارجين عن اتباع الحق، وهي من المفرطين في قيم التعامل، الذين بعدوا عن الاقتداء بسلوك خير البشر عليه الصلاة والسلام حين ربانا فأنكر على من يضاعف عملين في آن على مخدومه، ووجهنا لأن نؤاكلهم، ونمازحهم، ونكرمهم، ولا نثقل عليهم، وإذا استطعمنا لقمة شطرنا منها ما لذائقتهم شراكة فيها، وهو الذي أكد على إعطائهم أجرهم قبل جفاف عرقهم من عملهم المستحقين من أجله ذلك الأجر.. وهو الذي قال فيه مخدومه رضي الله عنه أنس بن مالك مقولته الشهيرة: «..خدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا».. على أوسع نطاق الخلق في تيسيره لمرافقه وفي عدم التعسير عليه، ثم هو الذي أكرم الفقير والمحتاج ممن يخدم ومن يقوم بخدمة المسلمين في رفقته، فقد أكد عليه الصلاة والسلام بذهاب المفطر القائم على خدمة الصائمين بالأجر، وذهب بعيدا يوصي بالرفق، وحسن الخلق، والتأدب مع مقدرات الله في خلقه حيث جعلهم طبات لكنه قنن بالأخلاق مناطها الإيمان والتقوى سلوك التعامل ومجرياته بين الخادم والمخدوم، «فسيد القوم خادمهم» لأن موقعه في العلاقة تفرض عليه الصبر والصمت والتجاوز والاحتمال فهو خالي الوفاض من سلطة الدفاع عن نفسه، أو مجابهة الأكبر منه مقاما أو الأقدر منه في ذات اليد، فأمر أجره بيده وأمر معاشه مرتبط بما يقتنيه من قليل مال أو لقيمات وكساء، ومثل هذا الموقف بين إنسان ذي قدرة وإنسان ذي ضعف هو محك إيمان الإنسان، ومدار أخلاقه، وهو هذا الميزان الذي وضعه توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل بين إنسان وآخر في علاقات العمل والخدمة،..وبمثل هذه القيم كان لابد أن ينظر إلى الحادثة على أنها فردية، لكن ما يعزز تلك الردود الفعلية نحوها أن كثيرا من الأسر وإن لم يبلغ بها السلوك مع مخدوميها على هذا النحو الإجرامي، إلا أنهم لا يتعاملون بالرفق ولا بحسن الخلق مع مخدوميهم.
إنني أنتهز هذه الحادثة فألح على المربين والتربويين من الآباء والمعلمين أن يضعوا في منهاج تنشئتهم وتعليمهم أولئك الصغار بما فيهم الشباب في مقتبل العمر أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم نبراسا في التعامل مع الخادم والأجير.., ذلك الخلق الذي أثنى عليه رب العالمين في محكم تنزيله بقوله تعالى له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }، ومن عظمة الأخلاق أدائها للأمانات وأولها حق الآخر المتبادل، ذلك الحق الذي ما أن يحيد عنه فرد إلا استحق عقوبة الخالق كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، تلك التي تشمل التعامل مع من يخدم في عمل أو بيت أو شارع فوق أرض، في بيوت أو مرافق عمل، أو في سماء داخل طائرة، أو تحت أرض في منجم، فحيثما تكونون يراكم الله تعالى، أولم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم السائلين في كل أمر فكان من إجاباته العفو عن الخدم والإنفاق عليهم وإكرامهم.. بل تهوين كرب الحاجة عنهم بمداعبتهم والحديث إليهم وإشراكهم في المجلس..؟
كونوا مسلمين حقا يسود السلام النفسي، ولا تؤذى الصدور الكاظمة، ويفسح الله لكم الدنيا دار برد وسلام. تلك رسالة لا ينبغي التهاون في أدائها..
درأ لأن يصبح هذا المجتمع حديثا مؤلما.. بمجرد خطيئة فردية بالغة الأذى والخروج عن منهج الاقتداء.