عمادات البحث العلمي في الجامعات السعودية تجتمع اليوم وغداً في رحاب جامعة المؤسس «الملك عبدالعزيز» اجتماعها التنسيقي السادس، وهي مع كل ما بذل من جهود وما ورد من توصيات وما ضخ من مال ما زالت -في نظري- عاجزة عن تحقيق التنسيق الفعلي بين بعضها البعض، وغير قادرة على إيجاد قاعدة بيانات متكاملة عن الباحثين السعوديين والنشر العلمي السعودي في جامعاتنا المختلفة، مع أن هذه القاعدة البيانية هي مفتاح الربط بين هذه الكيانات البحثية المهمة وغيرها من مؤسساتنا الحكومية والخاصة حين الشروع في مشاريع علمية وطنية ذات مصلحة جماعية عليا. وبسبب هذه الفجوة التي تتسع مع مرور الأيام غالباً ما تتم توليفة الباحثين المشاركين في بحث ما تدعمه وترعاه عمادة البحث العلمي في هذه الجامعة أو تلك عن طريق المعرفة الشخصية، أو ربما لعبت الصدفة دورها في هذا المضمار، أو كان للتربيطات الخاصة أثرها المباشر في الاختيار بعيداً عن المنهجية العلمية الرصينة المعروفة عالمياً حين بناء فرق العمل العلمية، ومثل هذا في أبحاث مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وللأسف الشديد. ولذا يمكن القول إن هناك شللية في الدراسات والأبحاث خاصة الميدانية منها بل وحتى النظرية والبحتة، وكذا حين اختيار فرق كتابة الموسوعات العلمية أو القيام بالمشاريع الدراسية ذات الصبغة الشمولية والتكاملية التي لها ارتباط وصلة مباشرة بمناطق المملكة المختلفة، إذ لم أسمع وأنا في هذا الميدان منذ سنوات أن هناك عملا علميا شارك فيه عدد من الباحثين من جميع الجامعات السعودية يمثلون مناطق المملكة المختلفة أو على الأقل غالبيتها وعلى افترض وجوده فالتربيطات المسبقة كما سبق وأن أشرت تلعب دورها أو أن الاستعانة بمن هم في المناطق البعيدة سواء الشمالية أو الجنوبية مجرد المشاركة في جمع البيانات وتطبيق الاستبيانات، ليس هذا فحسب بل إن البعض من جامعاتنا لا تعرف الأعمال المشتركة بين كلياتها المختلفة، وأكثر من هذا قد يكون الحال أسوء مما نتوقع داخل الكلية الواحدة وربما الزملاء في القسم الواحد ليس بينهم عمل علمي مشترك بسبب عدم دراية كل منهم باهتمامات الآخر البحثية ونشاطاته العلمية وللأسف الشديد!!، والترشيح للمشاركة في المؤتمرات والندوات التخصصية من قبل إدارة الجامعة أو الكلية تأتي إما من المبادرات الشخصية أو عن طريق العلاقات الخاصة وربما كان للحضور الإعلامي دوره في الاختيار، وقد تكون المشاركة عن طريق الدعوة الموجهة بالاسم من الجهة المنظمة في البلد المضيف!!.
لقد حان الوقت -في نظري- لميلاد وكالة مستقلة في وزارة التعليم العالي تجمع كل هذا الشتات، تختص بشؤون البحث العلمي في جامعاتنا السعودية، وتكون بمثابة المرجعية الشرعية لعمادات البحث العلمي في جميع الجامعات الحكومية والخاصة «الأهلية»، تضع الأطر العامة في التخطيط والتنسيق والتكامل بين هذه الكيانات التنموية المهمة، وترسم أفق التطوير المستقبلي المنشود، وتبلور الرؤى المشتركة، وتتبنى القضايا البحثية الوطنية الكبرى مع الجهات العليا ومن ثم توجه الباحثين لدراستها والكتابة عنها، وقبل هذا وذاك تؤسس وتفعل بوابة إلكترونية تيسر عملية التبادل السريع للبيانات والمعلومات الخاصة بالمشروعات البحثية وتتيح أمام المعنيين قوائم المحكمين وتدعم تسويق حركة النشر العلمي محلياً ودولياً، وتعرف العالم بالباحثين السعوديين حسب تخصصاتهم العلمية واهتماماتهم البحثية ومشاركاتهم المحلية والدولية.وتسهل للباحث الجديد معرفة الأساتذة الذين سبقوه في بحث موضوعه، وتيسر له التواصل مع عدد من المتخصصين في هذا الفن أو ذاك من فنون العلم المختلفة، وفي ذات الوقت تفتح هذه البوابة أفق أوسع لجيل الباحثين المبدعين من طلاب الجامعات السعودية الذين يتنافسون هذا العام للمرة الثانية في مجال البحث العلمي المتخصص وبجميع المجالات، وفي المقابل تتيح لعمادات البحث العلمي في الجامعات أن تكون هي الحاضن الأساس لهؤلاء الباحثين الجدد والذين سيكونون عمّا قريب من أعمدة حركة النشر والتأليف في المملكة، وهنا لابد لي من الإشادة بهذا المؤتمر المتميز وكذا الشكر لمن فكر وخطط ثم قرر ونظم هذا الحدث العلمي المهم فالشكر لمعالي وزير التعليم العالي ومعالي النائب وفريق العمل بلا استثناء على هذا المشروع العلمي التأسيسي الرائع ومن قبل الشكر لمن بارك وحفز ودعم ورعى هذا المؤتمر في نسخته الأولى وسيرعى بإذن الله عما قريب المؤتمر الطلابي الثاني خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه ووفقه وشفاه وأعاده إلى أرض الوطن سالماً معافى ولي عودة للحديث عن التنافسية في أبحاث هذا المؤتمر الطلابي الرائد في مناسبة قادمة بإذن الله وإلى لقاء والسلام.