من غير المنصف أن يتوارى نجاح موسم حج هذا العام خلف أخطاء الهيئة العامة للطيران المدني، والخطوط الجوية السعودية. ومن الظلم أن تطغى قضية تأخر مجموعة من الحجاج الخليجيين في مطار الملك عبدالعزيز، برغم أهميتها، وحق المتضررين المشروع في السفر وفق الجدول المبلغ لهم سلفًا، على ما قُدِمَ من خدمات جليلة لأكثر من ثلاثة ملايين حاج أدوا نسكهم بسكينة واطمئنان. جهود جبارة تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإنجاح موسم الحج.
من يتابع العمل المتواصل الذي يقوم به الأمير نايف بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، يشعر بعظم المسؤولية التي لا تترك لهما وقتًا للراحة، أو التقاط الأنفاس. عمل متواصل، وإشراف مباشر على كل جزئية متعلقة بالحج، وإدارة فاعلة لقطاعات حكومية مختلفة جنّدت جميعها لخدمة ضيوف الرحمن.
المطارات السعودية هي من تُشكل الرأي الأول والأخير لتجربة الحجاج والزائرين في المملكة، فالانطباع الأول يبقى ملازمًا للحاج، وبسببه ربما تشكلت آراؤه المستقبلية، بناءً على الرأي الأول، لا واقع الحال، وكذلك يفعل الانطباع الإيجابي الأخير؛ الذي قد يُغفِل صاحبه كثير من السلبيات؛ وقد يُعَظِم قليلها في حال سلبيته، فتطغى سلبية الانطباع الأخير على جميل العمل الذي وجده خلال أيام إقامته الطويلة في مكة.
أحد الحجاج الخليجيين صرح لوسائل إعلام بلاده، أن تجربة الانتظار الطويلة في مطار الملك عبد العزيز كانت أشد وطأة من رحلة الحج بأكملها؛ إحدى الصحف الإلكترونية اختصرت ما حدث في مطار جدة بعنوانها اللافت «افتراش وتجمهر وسوق سوداء بمطار الملك عبد العزيز بجدة»، ولعلها تجاهلت التشابك بالأيدي بين موظفي الخطوط وبعض الحجاج الغاضبين.
ما حدث في مطار الملك عبد العزيز بجدة كان متوقعًا عطفًا على التجارب السابقة، والإمكانات المحدودة للمطار، ومستوى الكوادر البشرية العاملة فيه، وهو أمر يتكرر كل عام، بل يحدث في الأيام الاعتيادية فكيف بمواسم الحج والعمرة!!.
توجيه اللوم إلى حملات الحج قد لا يكون دقيقًا، فإرباك الرحلات الجوية طال الجميع، وهو إرباك يمكن ملاحظته في مطارات لا علاقة لها بالحج!.
التطوير الكبير الذي تشهده المشاعر المقدسة لم يُقابله تطوير مواز للمنافذ الجوية، البحرية، والبرية وهو ما أثر سلبًا في نوعية الخدمات المقدمة للحجاج في رحلتي القدوم والعودة، وأدى إلى إخفاء نجاح موسم الحج خلف أصوات المنتقدين الغاضبين!.
الاعتراف بالأخطاء في حينها، ووضع خطط المعالجة الفورية يُساعد في القضاء على السلبيات، ويُحسن من أداء المطارات، والخطوط السعودية وموظفيها، ويقود إلى تحقيق الكفاءة.
مشكلات المطارات تعود في الدرجة الأولى إلى الصالات الضيقة، الخدمات المقدمة فيها، والإدارة والتشغيل؛ أما مشكلة الخطوط السعودية الأزلية فهي نقص الطائرات، عدم جاهزية المتاح منها، وتدني مستوى الانضباطية في مواعيد الإقلاع، إضافة إلى عدم كفاءة الخدمات الأرضية.
أعتقد أن الحل يكمن في إيجاد شركات تشغيل عالمية يعهد لها بإدارة المطارات السعودية على مستوى عالمي يتناسب مع مكانة المملكة، والخدمات الضخمة التي تقدمها لضيوف الرحمن.
ومن الحلول أيضًا الاستعانة بشركات تشغيل موسمية للمساعدة في تشغيل مطاري جدة، والطائف خلال موسم الحج.
توسعة مطار الطائف وتطويره سيساعد كثيرًا في تخفيف الضغط عن مطار الملك عبدالعزيز. السماح لشركات الخطوط الخليجية بالعمل داخل المملكة، أو خلق شراكات معها، وتأجيرها بعض مرافق المطارات سيقضي على مشكلة عجز الرحلات الجوية وسيقود إلى تحسين الخدمة، وخفض التكلفة بسبب المنافسة، وزيادة موارد الدولة.
صناعة الطيران باتت تدر دخلاً هائلاً لمن يتعامل معها بكفاءة، وبأسلوب تجاري صرف، وهو أمر يمكن تحقيقه عوضًا عن تحمل التكاليف الباهظة والخسائر الفادحة في الإدارة والتشغيل مقابل تقديم خدمات رديئة لا تتناسب مع مكانة المملكة، وما تنفقه من أموال ضخمة على التشييد، التشغيل، والصيانة.
مقارنة مطاراتنا، والخدمات المقدمة فيها، وتكلفة إنشائها وتشغيلها بما هو موجود في الدول الأخرى يكشف الفارق الكبير بينها، وهو ما يستوجب البحث عن أسبابه بشفافية مطلقة تحقق المصلحة العامة.
«استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه» أدعو الله، سبحانه وتعالى، أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في رحلته العلاجية، وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية وأن يعيده لنا سالمًا معافى؛ «استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه»؛ وأحمده تعالى على أن منَّ علينا بعودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد وزير الدفاع والطيران، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، واسأله تعالى أن يمتعهما بالصحة والعافية؛ إنه سميع مجيب.
F.ALBUANAIN@HOTMAIL.COM