|
قراءة - منيف خضير :
في الوقت الذي كان يلهو أقرانه الذين يقاربونه في السن، كانت عيناه تخفيان إصراراً وثقة.
وقف الابن ذو العشر سنوات على عتبة عمره المديد بكل ثقة، فالأيام تعده لأمر هام، والتحديات تقف أمامه لتنتظره وينتظرها، ولكنه بعزم الكبار قرر خوض الغمار.
وفي جنبات القصر الكبير ثمة مشهد احتفالي ينتظر هذا الأمير الصغير، الذي ختم القرآن الكريم كاملاً وقرر الاحتفال بذلك في يوم الأحد 12-8-1364هـ، وسط فرحة والده العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- مؤسس المملكة العربية السعودية.
إنه الابن الخامس والعشرون من الأبناء الذكور للمؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، ولكنه ليس أميراً عادياً وليس إنساناً عادياً كذلك، لقد ورث الحكمة عن والده وتعلق بأسباب التعليم المتاحة في عصره آنذاك، ولكن بقيت كلمته نبراساً تنهل منها عقول الحكماء حينما قال:
«درست في جامعة الحياة»
تلقى سموه تعليمه المبكر في مدرسة الأمراء بالرياض التي أنشأها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1356 هـ لتعليم أبنائه حيث درس فيها سموه العلوم الدينية والعلوم الحديثة وختم سموه القرآن الكريم كاملاً في هذه المدرسة. وكان يدير هذه المدرسة الشيخ عبدالله خياط - رحمه الله - خطيب وإمام المسجد الحرام.
وُلِدَ كبيراً
ولد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز في مدينة الرياض في 5-10-1354هـ الموافق 31-12-1935م، وقد نشأ في كنف والده الذي حمل على عاتقه هموم الأمتين العربية والإسلامية، لم تكن هذه النشأة مترفة كما يظن الكثير، كانت أمام الأمير الصغير تحديات كثيرة ليكون أو لا يكون، ولكنه كان. فقد حباه الله محبة وإعجاباً في نفوس الناس منذ نشأته، وله كاريزما لا تخطئها العين، عبر مظهره الأميري الذي يخفي خلفه كل معاني الفروسية والشهامة، والقلب الحنون.
ليس أميراً عادياً
بل هو ركن ركين من أركان العائلة المالكة، تولى إمارة منطقة من كبريات المناطق، وفي غضون سنوات تزيد على نصف قرن بقليل حولها إلى منطقة عصرية تستقطب وجهات الاستثمار التي تبحث لها عن مكان أمين، يا له من إنجاز لن يتكرر بسهولة في تاريخ الشعوب إنه باختصار معجزة بشرية اسمها الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض.
الأمير سلمان تحمل أثقل أمانة وهو في سن العشرين من عمره، وذلك في يوم الاثنين 18 أبريل 1955م عندما صدر الأمر الملكي رقم 5-10-2-1424 بتعيين سموه أميرا لمنطقة الرياض بمرتبة وزير، وقبلها بعام عين سموه أميراً لمنطقة الرياض بالنيابة وعمره (19 عاماً)، وفي يوم الاثنين 10-9-1382 ه الموافق 4 فبراير 1963 م عين سموه الكريم مرة أخرى أميراً لمنطقة الرياض، بعد استقالته من منصبه لمدة عامين.
كيف كانت وكيف صارت
حينما نرفع هذا الشعار لا نبحث عن أدلة تؤيده، كل ما علينا هو استعراض تاريخ الرياض (كمنطقة ومدينة ) كيف كانت وكيف صارت، من منا لا يعرف دور الرياض السياسي والاقتصادي والحضاري، من كان يتوقع أن تتمرد الرياض على أسوارها التاريخية التي كانت تحيط بها، وتتوسع مساحتها حتى تجاوزت 1800 كم2؟
ولن أتحدث عن مظاهر التطور الظاهرة للعيان في كل المجالات بدءاً من البنى التحتية ومروراً بالخدمات المتطورة في مجالات وقطاعات عدة لعل آخرها إنجاز مشروع تطوير وادي حنيفة.
والأمير سلمان مثقف من الدرجة الأولى، وثقافته ساعدته على قيادة دفة الرياض نحو التطور، وتظهر من جديد نتائج جامعة الحياة، وسمو يطلع على كل صغيرة وكبيرة في متطورات الحياة، لذلك ظهرت ثقافته واضحة في إمساكه بزمام التراث والأصالة، وهو يشاهد الرياض تتزين بأبهى حلة، فالحضارة لا تعني التنكر للأصالة، بل هي الأصالة، كما كرسها سموه، فها هو مركز الملك عبدالعزيز التاريخي يقف شامخاً وشاهداً على ثقافة الأمير سلمان، بمكتبته الزاخرة، وبجامعه الكبير، وبمبانيه التي تحكي للأجيال قصة تطور الرياض كجزء من تطور المملكة، وحينما نقول إن سموه ليس أميراً عادياً فلأن سموه قد سخر وقته للتطوير والثقافة فهو رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، واللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية ومركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، ودارة الملك عبدالعزيز، أليست موافقة لجنة التراث العالمي في اليونسكو على تسجيل حي الطريف في الدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي إنجازاً يعكس ثقافة سموه؟
يكفي منظر سموه الإنساني وهو يجلس على كرسي المعاقين المتحرك ليوجه رسالة تعاطف للجميع، يكفي أن نقول إن سموه الكريم يرأس العديد من اللجان الخيرية للمستفيدين من داخل المملكة وخارجها، تصل إلى أكثر من 30 مؤسسة وجمعية خيرية في مجالات عدة كالإعاقة والكلى والأيتام وزراعة الأعضاء، والأمراض الوراثية، وأمراض الكبار وغيرها، وهو رئيس فخري ومؤسس للعديد من الجمعيات والهيئات والمؤسسات الخيرية مما يصعب حصرها!
ليس إنساناً عادياً
نزعته الإيمانية عبر تدينه أضفت عليه جلالاً ووقاراً، فهو الأخ البار بأشقائه، ومرافقته لشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز في رحلته العلاجية ضربت أروع الأمثلة في البر، دمعته القريبة حينما يفقد أحد أشقائه كانت تحكي عن قلبه المرهف، شجاعته وصبره ظهرت وهو يؤمن بقضاء ربه حينما وارى ابنه الأكبر الأمير فهد -رحمه الله- في العام 1422هـ، وبعده بعام واحد (1423هـ) ابنه الآخر الأمير أحمد -رحمه الله-، إنه تجلد المؤمن الصابر، الذي ما فتئ -رغم مصابه الجلل- في تكريس وقته لخدمة الأعمال الخيرية ورعاية كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلوات والتسليم.
جامعة التواضع
إنه رغم قامته ومكانته المرموقة عالمياً وعربياً ومحلياً، فهو يرتدي لباس التواضع والبساطة، حكى أحد المقربين عن سيدة مسنة فقدت عائلها الوحيد فلجأت إلى الأمير سلمان تبث وجدها بفقد ابنها وعائلها الوحيد، فقام الأمير سلمان وواساها وقال لها أنا ابنك !
وطبعا سموه خير من يقرن قول بعمله فكان نعم الابن لهذا المسنة التي رعاها خير ما يرعى الابن البار والدته المكلومة.حينما منحت أكاديمية برلين براندينبرغ للعلوم سموه ميدالية «كَنت» تقديرا لإسهاماته في العلوم. وسط حشد كبير من العلماء والأكاديميين الألمان. قال في كلمته «إن تكريمي أعتبره تكريماً لبلادي وقيادتي»، هذا هو تواضع سموه الذي عرف عنه، وتأدبه الجم الذي نهله من مدرسة عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه.
وسموه تم تكريمه أيضاً في محافل عالمية كبيرة، إذ تحصل على أكثر من 16 وشاحا من جهات عدة من أبرزها وشاح الملك عبدالعزيز (أعلى وسام في المملكة)، ووشاح من رئيس فرنسا وملك المغرب، وعدد من أوشحة ودروع وشهادات يصعب حصرها، وقد تم تكريم سموه في مناسبات عدة من قادة ورؤساء دول ومن جمعيات خيرية ومؤسسات إنسانية.