الجزيرة - إبراهيم الروساء :
في الثامن من شهر ربيع الثاني عام 1401هـ انطلق سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز فارس الرياض وباني نهضتها إلى موطن الأجداد، إلى عاصمة الدولة السعودية الأولى « الدرعية « بصحبة عددٍ من المسئولين آنذاك.
كانت الدرعية وقتها أطلالا وخرابا، وبيوتا متهالكة، وشيئا من رائحة التراث القديم الذي يغمر أزقتها وجدرانها العتيقة.
لم يدر بخلد أحد، إلا في عقل وقلب وفكر سلمان، أن الدرعية سوف تنتقل من وسط ركام الأطلال الطينية إلى رحاب العالمية بعد إدراجها ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو مؤخراً.
ها هي الدرعية الآن بعد أن كانت ترابا تذروها الرياح، تصعد بفضل سلمان بن عبد العزيز لأن تدرج ضمن دائرة التراث العالمي، لتحقق بذلك سبقا ثقافيا وبعدا حضاريا للمملكة بعد مدائن صالح التي سبقتها بعام واحد.
يقول الأمير سلمان في عدد الجزيرة رقم 3103 بعد أن تفقد المشاريع القائمة أن ذاك في الدرعية والأعمال التي تقوم بها مصلحة الآثار التابعة لوزارة المعارف -سابقاً- في المحافظة على الآثار القديمة « إن اكتشاف هذه الآثار والتي تتولاها مصلحة الآثار أمر هام.. ونحن مهتمون بالمحافظة عليها حتى لا تندثر.. وليبقى دليلاً واضحاً يذكره الجميع».
نعم يا سمو الأمير فبنظرتك الثاقبة وفراستك الرائدة حافظت على تراث الدرعية الذي ساعدها أن تجد مكانا عالميا بين الآثار العالمية، وبفهمك الدقيق لأهمية التراث في تاريخ الدول والأمم أبقيتها، وصارت دليلاً واضحاً يذكره الجميع، وليس السعوديون فقط، بل العالم بأسره بعد أن اعترف بكل وضوح عن أهمية الدرعية كتراث عالمي رفيع المستوى يجب أن ترعاه منظمة عالمية للمحافظة على التراث العالمي تحمل اسم اليونسكو.
كان يدرك سلمان بن عبد العزيز أهمية الدرعية قبل أن تدركها منظمة اليونسكو بثلاثين سنة، بوصفها موطن أجداد المؤسس، وقاعدة النهضة السعودية، وميلاد الأسرة السعودية، في دلالة واضحة على عمق المعرفة، وسعة الأفق لدى سموه.
فبعد أكثر من ثلاثين سنة أدركنا نحن فراسة سلمان، وهل كان أحد يتصور قبل هذا التاريخ أن الدرعية سوف تكون ضمن التراث العالمي؟
يصف الشيخ عبد الله بن خميس وهو أحد أبناء الدرعية والمؤرخ المعروف تلك الزيارة في نفس العدد الذي نشرته الجزيرة بقوله «إن هذه الزيارة لسموه للدرعية وتفقد أحوالها ومشاريعها لها من الأثر الطيب الكثير والكثير، وأنني أعقد آمالا كبيرة على هذه الزيارة بحول الله وقوته، وسوف يكون لها أثر ملموس للقاصي والداني فأنا متفائل كثيراً، وسوف يتحقق الأمل إن شاء الله».
نعم أيها الشيخ الوقور.. فقد تحقق الأمل، ووضح الأثر الملموس للقاصي من دول العالم، والداني من مواطنينا، وقد تفاءلت بالخير، ووجدته.
وتعد الدرعية واحدة من أبرز الأوجه التراثية للمملكة، وأقدمها عمرانا فقبل أكثر من خمسمائة سنة كان مانع بن ربيعة المريدي -جد الأسرة الحاكمة- قد اتخذ منها مقراً، وكانت الانطلاقة الأولى للدرعية كعاصمة للدولة السعودية الأولى في عام 1157هـ حين جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية يوم أن كان الإمام محمد بن سعود أميرا على الدرعية بحسب ما يقوله المؤرخ «أرمسترونغ».
وتحولت الدرعية بعد هجرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من بلدة ضعيفة فقيرة إلى مدينة كبيرة وصارت قاعدة دولة عظيمة بسطت سلطانها في عهد الإمام محمد بن سعود إلى أكثر بلدان العارض وبعض بلاد نجد، ثم ضمن إليها زمن الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- بلاد نجد كلها والأحساء وجبل شمر وأجزاء من اليمن والمنطقة الجنوبية والحجاز، وامتدت نفوذها إلى الخليج العربي.
تقول المؤرخة لادي بلنت تصف الدولة السعودية «إنها أول دولة عربية تنشأ بعد عصر الرسول وتوحد رايتها جزيرة العرب على أساس من الشرع والتنظيم الإداري المحكم».