عندما تتحدث عن شخصية كبيرة كشخصية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، تجد نفسك في حيرة شديدة، من أين تبدأ وفي أي جانب تكتب، وللأمانة فإن الكتابة عن هذه الشخصية العظيمة مسؤولية كبيرة، لأنك مهما كتبت فلن توفيه حقه.
هذا ما وجدناه من خلال كتاب الأستاذ الدكتور المؤرخ عبداللطيف بن محمد الحميد فقد أجاد وسرد فأوفى في (سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - سيرة توثيقية). فالكتاب يقع في 290 صفحة من القطع المتوسط ويحتوي على ستة فصول إضافة إلى أربعة ملاحق أورد بها الصور والخرائط والمطبوعات التوثيقية.
تناول المؤلف في الفصل الأول نشأة الأمير سلمان وتربيته على يد والده المؤسس والباني لهذا الصرح العظيم والحكيم الذي استطاع بحكمته في معاملة أعدائه وتحويلهم من أعداء إلى شديدي الإخلاص له وحسن معاملته للمقربين فزادهم قرباً منه، وسمو الأمير سلمان يراقب ويشاهد ويختزن في ذاكرته من حكمة والده وشدة بأسه، وهذا ما ينعكس على سلوكه إنساناً وأميراً لأكبر مناطق المملكة، كما لم ينسَ المؤرخ أن يورد أثر والدته في تربيته وما تميزت به من سمات حنان الأم وتقريبها للعلماء الذين لا شك تركوا أثراً في شخصية الأمير سلمان.
وتناول في الفصل الثاني توليه إمارة منطقة الرياض منذ نصف قرن تقريباً وحرصه الدائب على أن تنافس العواصم الكبرى في العالم تخطيطاً وعمراناً وتجميلاً، واهتمامه بتطوير الدرعية والمحافظة على سماتها التاريخية بصفتها عاصمة الدولة السعودية الأولى. ومن يزور الرياض في فترات متفاوتة يجد بها الجديد في كل مرة من اتساع وتنوع في المعالم الحضارية.
أما الفصل الثالث فقد خصصه لجهود سموه في التعليم وأهله بمختلف فئاته التعليمية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، هذا بجانب اهتمامه بتاريخ المملكة العربية السعودية من خلال كرسي الأمير سلمان للدراسات التاريخية في جامعة الملك سعود. وحقاً كما قال المؤلف فهو لا يحب المبالغة في الإطراء والمديح. فما ورد في كلمة سموه في جامعة أم القرى ص 77 من هذا الكتاب يلفت النظر. فما قاله عن والده رحمه الله في هذا الفصل: (بدأ الملك عبدالعزيز تأسيس الدولة السعودية في سن مبكرة، وبأفراد قليلين، وجعل كلمة التوحيد هي الأساس ولم يكن هدفه الملك لأجل الحكم فقط، أي أن سموه رجل واقعي منصف لا يبالغ ولا يحب المبالغة في الثناء، فعندما يقول لأجل الحكم فقط فهو يقر أن والده رحمه الله كان إنساناً كبقية البشر مجبولاً على حب الملك والسلطة ولكن ذلك لم يكن همه الأول، بل وضع نصب عينيه أيضاً خدمة دينه وشعبه وخدمة المسلمين.
أما الفصل الرابع فقد خصصه للجانب الخيري في شخصية سموه مثل جمعية البر بالرياض، والجمعية الخيرية لرعاية الأيتام، فقد اندمج سموه في الحياة العلمية والاقتصادية والتجارية والإنسانية والتطوعية، خصوصاً في العمل الإنساني. حيث يحظى العلم الإنساني باهتمام كبير من سموه. اقترب كثيراً من العمل الإنساني داخل المملكة وخارجها منذ عام 1956م. وتصعب الإحاطة باللجان والهيئات الرئيسة والمحلية لجمع التبرعات لمساعدة المحتاجين والمتضررين من السيول والزلازل والكوارث في العالمين العربي والإسلامي ودعم قضايا العالم الإسلامي ومناصرة المسلمين في كل مكان مما جعله مرشحاً لأوسمة عالية محلية وإقليمية ودولية، وهو اعتراف بالتصاق سموه بالعمل التطوعي والإنساني.
واهتمامه بالجانب الصحي لتخفيف عذابات المرضى مثل جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، بالاضافة إلى اهتمامه حتى بتوفير السكن لبعض سكان منطقة الرياض من خلال مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري، وتشجيعه على الأعمال الخيرية من خلال تكريمه لرواد العمل الخيري.
أما الفصل الخامس فخصصه لاهتمام سموه بجميع المناطق التابعة لمنطقة الرياض عن طريق زيارتها والاطلاع بنفسه عن قرب عن أحوالها مثل سدير، والزلفي، والوشم وغيرها، وافتتاحه لمشروع مياه الوشم الكبير.
ونلمس في الفصول الخمسة الأولى شخصية المؤلف المؤرخ فهذا هو الأستاذ الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميد، يقدم دراسة تاريخية لا تخلو من التحليل الصادق عن الصفات المميزة التي يتحلى بها أمير منطقة الرياض من الشهامة والإباء والوفاء، ووصفه المؤلف بأنه (رجل في دولة). ولا أعتقد أن أحداً قد ضارعه في كتابه حيث أورد أدق التفاصيل عن حياة سمو الأمير سلمان حتى صدور هذا الكتاب في عام 1430هـ/ 2009م. فهو يذكر وقائع تربيته ونشأته سواء من قبل والده أو والدته حتى أنه يذكر ختمه للقرآن في 12 شعبان 1364هـ/ 1945م أي قبل 66 سنة.
وعلى كل حال فإنه كمؤرخ تناول في الفصول الخمسة الأولى السيرة في حياته ولم يتعرض للجانب التحليلي إلا قليلاً وتركه في الفصل السادس للكتّاب والمستشارين فضمّن أقوالهم في هذا الكتاب أمثال الدكتور محمد عبده يماني، والأستاذ سليمان بن عبدالله أبا الخيل، والأستاذ عبدالملك بن أحمد آل الشيخ، والكاتب سمير عطا الله وغيرهم.
ومن أجل توثيق بعض ما قاله عن سموه فقد أضاف كثيراً من الملاحق والوثائق والصور والخرائط والمطبوعات التي تحكي سيرة حياة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وجهوده، ونشاطاته في رعاية وتطوير منطقة الرياض.