|
الجزيرة - الرياض
ساهمت صناعة الاتصالات على مدى العقد الماضي في دفع التحول الرقمي لصناعات واقتصادات ومجتمعات بأكملها. ويقول كريم صباغ الشريك في بوز أند كومباني ورئيس الممارسات العالمية للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا في بوز أند كومباني في هذا الصدد: إن الانتشار السريع للاتصالات النقالة، والتوافر المتزايد للاتصال بالشبكات ذات النطاق العريض (برودباند)، وحديثاً تطوير الهواتف الذكية والتطبيقات النقالة ذات الرواج الكبير، هي ثمرة كلية أو جزئية لعمليات الابتكار والاستثمار النابعة من قطاع الاتصالات. والواقع أن مبيعات الهواتف الذكية وحدها يتوقع أن تنمو إلى معدل 23 في المائة سنويا حتى آخر عام 2014 حين ستمثل 37 في المائة من كميات الأجهزة الهاتفية اليدوية، مقابل 16 في المئة عام 2009.
غير أن هذه الصناعة تشهد الآن هزة تلت سنوات من النمو الكبير، فعلى مشغلي الاتصالات أن يبنوا شبكات الجيل المقبل من الاتصالات السريعة الثابتة والنقالة بغية تلبية طلبات العملاء وفي الوقت نفسه الاستفادة من التحولات الرقمية في كل القطاعات الأخرى، مثل الرعاية الصحية، الخدمات المالية، والإعلام. ويتطلب القيام بذلك استثمارات ضخمة، خصوصا في البنية التحتية المرتكزة على الألياف. وعلى المشغلين أن يستثمروا في الابتكار وتطوير قدرات إستراتيجية جديدة. إلا أنهم يواجهون عقبات في هذا المجال، مع تحوّل مصادر دخلهم التقليدية إلى خانة التسليع وعجز عدد كبير منهم عن إيجاد مصادر دخل جديدة. لتلبية جميع هذه الطلبات، على شركات الاتصالات أن تسعى جاهدة لإيجاد نماذج عمل أصغر حجما، أكثر تكيفا، متعددة الأوجه، مقسمة إلى وحدات، وأكثر تعقيدا. كما أن عليها أن تكتسب القدرات المطلوبة لضمان نجاح نماذج العمل هذه، في موازاة مواصلتها الاستثمار في البنى التحتية الخاصة باتصالات الجيل المقبل، سواء كانت اتصالات ثابتة أو نقالة. يجب أن تُبنى نماذج العمل التي تتطلع إلى المستقبل على فهم عميق لثلاثة اتجاهات شاملة تقود هذه الصناعة نحو المستقبل وأول هذه الاتجاهات هو انتشار العملاء حيث يطلب المستهلكون والشركات اتصالا دائما وشاملا بالتطبيقات والمحتويات الرقمية. وكلما قدّم المشغلون مزيدا من النطاقات الترددية العريضة والخدمات ازداد استهلاك العملاء وازدادت في الوقت نفسه توقعاتهم. وفي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، يمضي الأولاد بين سن الثامنة والثامنة عشرة ما متوسطه سبع ساعات و38 دقيقة يومياً في استعمال وسائط الإعلام الترفيهية، بعدما كان المتوسط ست ساعات و21 دقيقة قبل خمس سنوات. ويلقي هذا الطلب عبئا هائلا على شبكات الاتصالات الثابتة والنقالة القائمة حاليا: تمثل البيانات حاليا القسط الأكبر من نشاطات الشبكات، علما أن الكثير من البيانات يأخذ شكل الفيديو على الإنترنت. مع الإشارة إلى أن هذا النشاط لا ينفكّ ينمو: ارتفع بث الفيديو على الانترنت في الولايات المتحدة 78 في المئة منذ عام 2005. وسيؤدي الازدياد المتواصل للتطبيقات النقالة ومئات آلاف الخدمات المتوافرة على الهواتف الذكية وأجهزة أخرى إلى تكثيف ظاهرة ازدياد العملاء في ظل استخدام المستهلكين الأفراد والشركات التطبيقات من أجل الترفيه، المعلومات، وزيادة الإنتاجية. وستتراجع شركات الاتصالات أمام شركات التكنولوجيا مثل آبل وغوغل إذا لم تجد وسيلة للاستفادة من التطبيقات النقالة التي يتوقّع أن تولّد مداخيل مقدارها 40 مليار دولار بحلول عام 2014.
والاتجاه الثاني يتمثل في تحول التكنولوجيا إلى نموذج الوحدات حيث تتحول وتتشكل الشبكات والخدمات والتطبيقات بسرعة من نموذج التكامل العمودي في اتجاه نماذج مفتوحة تأخذ شكل الوحدات. وسوف تخدم شبكات الاتصالات المختلفة (كالشبكات الثابتة والنقالة والنطاق العريض) المستخدمين النهائيين مباشرة، موفرة لهم الاتصال الشامل المطلوب. ويرجح أن ترتكز عروض التطبيقات والخدمات - كالأفلام على الطلب والألعاب - على أنظمة مستقلة أساساً عن البنية التحتية التي يمكن الاتصال بها من خلالها. وهذا يعني أن أجزاء من النظام يمكن أن يُنشئها المشغّلون أنفسهم أو عدد من المنافسين من خارج الصناعة الذين يحاولون اكتساب حصة من العائدات المستقبلية.
وثالث هذه الاتجاهات هو الابتكار في الصناعة. حيث كانت شركات الاتصالات تركّز على حماية أعمالها الأساسية - أي إقامة شبكات واسعة النطاق - بدل المغامرة في القيام بمبادرات صغيرة. وكانت النتيجة أنها جعلت أنفسها عرضة للمنافسة من اللاعبين على شبكة الانترنت ومن شركات التكنولوجيا الفائقة وتكنولوجيا المعلومات وصانعي الأجهزة ومزودي التطبيقات والخدمات، بالاضافة إلى شركات وسائط الإعلام التي تصنع التطبيقات والخدمات.
لكل من هذه الاتجاهات انعكاساته على مستقبل صناعة الاتصالات. وعندما يفهم المشغلون هذه الانعكاسات، عليهم أن يحددوا ويصمموا ويبنوا نماذج عمل جديدة - وقدرات ترافقها - للاستجابة للانعكاسات والاستفادة منها. وهنا يقول بهجت الدرويش الشريك في بوز أند كومباني: «يملك المشغلون الذين يدركون الحاجة إلى نماذج عمل جديدة والقدرات المطلوبة لدعمها فرصة حاسمة للفوز في الأسواق التي يختارونها. وسيكونون مستعدين على نحو أفضل لتحقيق القفزة من هيكلياتهم العمودية التقليدية إلى مستقبل يحرّكه عملاء يزدادون تطلّباً، وتكنولوجيا معقدة، ومنافسة مجزأة».