مع ما طرأ وعلى مختلف نواحي الحياة من تغير وتراجع في كثير منها خصوصا المتعلق بالجانب الاقتصادي الذي يشكل العصب الأهم في تسيير الحياة وما أحدثته الأزمة الاقتصادية على مستوى العالم بما فيها الثقافة بكل فروعها ومنها جانب الاهتمام بالفنون والإبداعات المختلفة التي تشكل الفنون التشكيلية جزءا مهما في قضية استثمار منتج فروعها من رسم وتصوير وخط عربي ونحت، الحديث منها أو القديم نتيجة ما يضفيه تقادم العمل من تألق لحمله تاريخا وثقافة وبما يشكله من شهادة على عصره. إلا أن ما يشاهد حاليا من تحرك وانتعاش في جانب المزادات الفنية يجعلنا نعيد النظر ونزيل بعض الشك في أن اقتناء الأعمال الفنية لم يعد حملا ثقيلا على أصحابها ولم يكن يوما ميولهم لهذا الجانب من الاستثمار قد خيب أملهم مع أن هذا الشعور قد شمل مختلف سبل الاستثمار والتجارة. ففي السنوات الأخيرة وبما تقوم به بعض من الدول الخليجية وفي مقدمتها إمارة دبي وإمارة أبو ظبي من اهتمام بجانب المزادات الفنية العالمية وتشجيع إقامتها وتأسيس المتاحف الفنية بالتعاون مع اكبر متاحف العالم ومنها متحف اللوفر الشهير ما منح الفرص للعديد من المؤسسات والشركات ذات الاختصاص لتنشيط وجذب الاهتمام بالفنون من المقتنين من مختلف بقاع العالم دعما للثقافة وتحويل النظرة لهذه الفعاليات أو المشاريع إلى السوق الخليجية من أن تبقى في الغرب، فمنطقة الخليج بما عرف عنها من أهمية مأمونة الجانب في التعامل بين تلك الشركات لكونها الجانب المستثمر والمسوق وبين مقتني الأعمال الفنية الحريصين على أن توضع في مكانها المناسب.
مكاسب جديدة وفرصة للاستثمار
هذا التحرك العالمي في تسويق واستثمار الفنون التشكيلية اعتبره الكثير من المراقبين الماليين قي الغرب ومنها بريطانيا، دخلا جديدا لجلب الضرائب من مبيعات للأعمال الفنية نتيجة ما أصبحت عليه دور المزادات الفنية على المستوى العالمي من تنافس وإقبال على تلك الأعمال التي تحرص كل دار على تقديم الأفضل فبرز في الآونة الأخيرة عدد من تلك الدور ذات الأهمية والقيمة والشهرة منها دار كريستيز ودار سوذبيز ودار بونهامز، إذ قدمت دار كريستيز في الفترة الماضية وفي مزاداتها على مستوى العالم أعمالاً فنية قدرت قيمتها بـ200 مليون جنيه إسترليني، كما قدمت منافستها دار سوذبيز أعمالا قدرت هي الأخرى بأكثر من 207 ملايين جنيه. تنوعت تلك الأعمال ما بين انطباعية وحديثة وعصرية، بقيمة تزيد عن 400 مليون جنيه إسترليني (800 مليون دولار). ولكن شدة المنافسة قد تزيد القيمة وتدفعها قريباً إلى المليار دولار، وحسب توقعات المراقبين للمزادات فإن هذه المزادات ستكسب صالات العرض المشاركة من العمولة أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني، وقد حظيت تلك المزادات في دورتها الأخيرة بإقبال من قبل أكبر المستثمرين في الأعمال الفنية ليس فقط من الأوروبيين والغربيين،، بل من أصحاب الملايين من مختلف أنحاء العالم، من الأسواق الواعدة في روسيا ودول أوروبا الشرقية، الشيوعية السابقة، وكذلك الأثرياء العرب والصينيين واليابانيين. وقال مصدر قريب من المزادات.
مع ما لدار بونهامز للمزادات التي تأسست عام 1793، وهي إحدى أقدم دور المزادات العلنية في العالم من حضور متميز قدمت خلاله عددا من الفنانين العرب وذلك حسب ما تتضمنه أهدافها تعزيز الفن القادم من الشرق الأوسط وجنوب آسيا، لتسليط الأضواء عليه عالمياً من خلال المبيعات في دبي ولندن ونيويورك.
سبل التسويق الذكية
من الأمور الجميلة والتي يمكن اعتبارها سبل تسويق ذكية ما تشهده الفترة التي تسبق المزادات بنقل اللوحات بسيارات مصفحة من الصالات إلى بيوت الأثرياء ليتمكن هؤلاء المقتنون من مشاهدة تلك الأعمال معلقة في بيوتهم قبل شرائها. إضافة إلى الاستعدادات كبيرة لتجميع اللوحات وإعداد الصالات لعرضها من قبل منظمي المزادات.
اهتمام عالمي بالفن العربي
يدفعني الاهتمام الملحوظ من دور المزادات العالمية ومنها ما ذكرناه في سياق الموضوع إلى العديد من التساؤلات، لماذا هذا الاهتمام المتأخر من قبل العالم بالفن التشكيلي العربي، هل ذلك نتيجة لتراجع الطلب على الفنون الحديثة التي غزت صالات العرض والمعارض يقابله الأصالة في الفن العربي..؟، أم أن هناك اكتشافا لاهتمام عربي بفنوننا التشكيلية وفنانينا فوجدت تلك الدور فرصة للاستثمار في غياب أمثالهم العرب..؟.
لقد حرصت تلك الدور على تطعيم الفنون والأعمال العالمية لمشاهير الفنانين المستشرقين وفناني العالم بالفانين العرب وإيران، وضمت المزادات على تنوع أسمائها ومواقع إداراتها ومزاداتها أعمالا فنية متنوعة ما بين لوحات وأعمال نحتية، منها لوحات من أهم لوحات رواد الفن المصري الحديث المعاصر.
فقد قدمت دار بونهامز في احد مزاداتها لوحات ومنحوتات الفنانين جواد سليم، من العراق أحد رواد الفن العربي.صاحب نصب الحرية الذي شهد مراحل من تاريخ العراق.
ولوحات للفنانين المصري أحمد مصطفى، و الإيراني الشهير، شارل حسين زندرودي، والفنان الشهير م. ف. حسين كما قدمت دار كريستي في مزاداتها الأخيرة لوحات لنخبة من الفنانين المصريين منهم الفنان محمود سعيد الذي بيعت لوحته دراويش المولوية ب2.50 مليون دولار لتصبح أغلى لوحة عربية وهي من مجموع 40 عملاً فنياً من مقتنيات د. محمد سعيد فارسي الأمين العام لمدينة جدة السعودية سابقاً،
حضور خليجي متواضع
مع ما يمكن القول عنه إنه نجاح الخطوة الأولى للفن التشكيلي السعودي وذلك لوجود أعمال ستة فنانين سعوديين للمرة الأولى من بينهم الفنانان احمد ماطر وعبد الناصر غارم في مزاد «كريستيز» للفن الحديث والمعاصر، الذي أقيم في دبي قبل عام 2009م، سجلت لوحاتهم مبيعات مقنعة دفعتهم لإكمال المشوار حاليا على المستوى العالمي فإننا لا زلنا نطرح التساؤلات أمام بقية القاعات أو المؤسسات ذات العلاقة والمقتنين السعوديين الذين سيكون لنا مع بعض الأسماء وقفة للتعريف بهم ممن نسعد بدعمهم وتقديرهم للفن التشكيلي السعودي ومع قاعات العرض التي لم نر أي تحرك منها سوى قاعة اثر بإدارة الأستاذ حمزة صيرفي الذي سجل حضوره في معرض أرت دبي مرتين بنجاح.
كما نطرح التساؤل حول أبعاد عدم الاهتمام بالفن الخليجي ومنه السعودي على وجه العموم في قاعات العرض العالمية الشهرة والمتواجدة في الخليج وماذا عن تحرك القاعات المحلية على المستوى المحلي بحجم ينافس تلك القاعات فلدينا الكثير من الإمكانات المادية والبشرية في حال إيجاد وزرع القناعة عند المستثمرين وأصحاب الأموال للدخول في هذا المضمار للكسب المادي والوطني.