تمرّ المملكة العربية السعودية سنوياً بتحدٍّ صعب على المستوى الرسمي والشعبي وفي جميع المجالات الاقتصادي والسياسي والأمني والفكري والفقهي والاجتماعي والإعلامي والتنظيمي والخدمي و...الخ، وذلك من خلال موسم الحج المبارك الذي تشارك فيه جميع قطاعات الدولة تقريباً ويفد له خلق كثير ومن مختلف الجنسيات والأطياف والطبقات والتوجهات، وهؤلاء الوافدون يتباينون كما هو معلوم فكراً وفقهاً بل وربما مذهباً وعقيدة وتتباين نفسياتهم واتجاهاتهم ومشاعرهم حباً وكرها كما أنهم يختلفون علماً وجهلا صلاحاً وفساداً حضارة وتخلفاً، والقدرة على احتواء كل هذه التناقضات التي تجتمع تحت مسمى الإسلام بدلالته الواسعة هذا في حد ذاته نجاح، وتلبية احتياجات الحجيج الخدمية والنفسية والاجتماعية نجاح، والقدرة على مراقبة الجميع وضبط حركتهم وتوفير سبل الأمن والسلامة والراحة لهم في ذهابهم ومجيئهم نجاح، ومن قبل معرفة كيفية التواصل معهم والحديث لهم وإرشادهم وبيان ما يحتاجون إليه في حجهم بلغتهم وحسب فهمهم نجاح، وإنزال الناس منازلهم وحسن الاستقبال للوفود الرسمية وجودة التعامل مع كل حسب مكانته التي يظنها لنفسه في هرمية النظام الإداري في بلاده نجاح، والتلطف مع الكل ومد يد العون للمحتاج الكبير والصغير الذكر والأنثى وبلا حسابات عرقية أو لونية أو جنسية نجاح، وتكاتف الجهود من قبل الجميع والتعاون بلا حدود بين جميع القطاعات المشاركة وعلى مستوى التنظيم وفي أرض الميدان نجاح، وخلق فرق تطوعية للمشاركة في أعمال الحج الميدانية من أبناء الوطن وبناته نجاح، وتدريب صغار الناس في مثل هذه الأعمال التي تحتاج إلى صبر وجهد ومجاهدة سواء من الكشافة أو طلاب الكليات العسكرية والأمنية نجاح، والتغطية الشاملة والرصد والمتابعة الإعلامية والمؤتمرات الصحفية المتميزة نجاح، وتسيرالخطط الأمنية والصحية والخدمية والتوعوية بكل حذق ومهارة نجاح، وكيفية الفرح بالنجاح والتعبير عن روعة الإنجاز بمنطق الشاكر لله عز وجل الراغب في التطوير المستقبلي على أسس علمية وحسب رؤية إستراتيجية واضحة نجاح، وجزماً هذه الحزمة من النجاحات التي نفخر ونفاخر بها لم تكن تتحقق على الصورة التي يتطلع لها الجميع وينشدها الحاج وأهله لولا توفيق الله عز وجل ثم وجود قيادة حكيمة واعية تدرك المنعطفات وتعي المسارب والمسارات وتمارس العمل الميداني وتراقب وتتحرك وتوزع المهام في إطار المسؤولية المحددة وحسب ما تمليه المصلحة وخدمة الحاج، ومن خلف القيادة الرائعة والرائدة جميع من في الميدان من علماء وفقهاء ورجل أمن وأطباء وباحثين ومتطوعين وكشافة ومواطنين الذين نذروا أنفسهم من أجل موسم حج ناجح يرقبه ويقيمه في النهاية العالم بأسره، وفيهم الحاسد والحاقد وهناك المنصف والصادق وقد يكون من بين المراقبين من يتصيّد الأخطاء ويبحث عن الهفوات.
ولعل من المؤسف أن تئد هذا النجاح متعدد الوجوه متنوع المستويات الخطوط الجوية السعودية وفي اللحظات الأخيرة، إذ إن هناك من حجاج الداخل ما زال لم يصل إلى أهله حتى لحظة كتابة هذا المقال ظهر يوم الأحد الماضي مع أن رحلة حملته التي حج معها كان من المقرر وصولها إلى بلده مساء يوم الجمعة!! وبالأمس كنت أمام إحدى القنوات الخليجية في برنامج مفتوح على الهواء مباشرة، وكان المتصل يتحدث عن حجه الرائع ولكنه في رحلة العودة عاش لحظات عصيبة في مدينة الحجاج (جدة) بسبب سوء إدارة وبرمجة ووعود موظفي الخطوط السعودية هناك، حاول المقدم تهدئته وتلطيف الجو معه قائلاً لعل ظروف الإجازة وكثرة الرحلات من مطار الملك عبد العزيز بجدة كان لها دور في تعطيل حركة الطيران، قاطعه المتصل قائلاً بأن مدينة الحجاج ليس لها ارتباط بحركة المطار الاعتيادية ولكن هذا حال الخطوط السعودية كل عام!! وأضيف وللأسف الشديد، ولذا أتطلع مثل غيري كثير أن نجد جواباً صريحاً وواضحاً يزيل الملابسات ويضع النقاط على الحروف، نريد بياناً شافياً فيه مصداقية وشفافية كما هو عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ووفقه وشفاه ورعاه، لابد أن نعرف متى ستكون النهاية لهذا المسلسل من الأخطاء وعدم الاكتراث بمنجزات الوطن وراحة الزائر والحاج سواء أكان من الداخل أو الخارج، والكل يتطلع إلى العهود والمواثيق والتصريحات التي سمعناها وقرأنها أن تتحول إلى واقع وأن يكون الجواب والرد على هذا الحاج أو تلك الحملة أو هذا الكاتب أو تلك المتحدثة ما تراه لا ما تسمعه وإلى لقاء والسلام..